ولا تزال الاجتماعات والتحركات العربية والاسلامية على اهميتها، تقصر عن التعامل مع الابعاد الاستراتيجية الخطيرة التي ينطوي عليها قرار الرئيس الاميركي دونالد ترامب. خلال الاجتماع الوزاري العربي الطارئ الذي انعقد في القاهرة يوم السبت المنصرم، كانت الكلمة التي القاها باسم فلسطين وزير الخارجية الدكتور رياض المالكي، ضعيفة، واضعف من بعض الكلمات التي جاءت على ألسنة بعض وزراء الخارجية العرب.
ثلاث صفحات مطبوعة، خرجت عن الاجتماع الوزاري العربي، خلت من المواقف الاجرائية، غير التقليدية التي بشرت بها كلمات الوفود، وباستثناء الموقف النظري السياسي الحازم الذي خرج به الاجتماع الوزاري العربي، فإن البيان كان تقليديا، ويفتقر الى الخطوات الاجرائية العملية التي تستدعيها خطورة القرار الاميركي.
ارتفع سقف الخطاب الفلسطيني في الاجتماع الطارئ للبرلمانات العربية، حيث طالب الرئيس محمود عباس باتخاذ اجراءات تتعلق بالعلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، وسحب السفراء، فضلا عن ضرورة تحرك البرلمان العربي للقيام بحملة واسعة مع نظرائه في مختلف دول العالم لتحقيق الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومنع أي دولة من ان تحذو حذو القرار الاميركي.
ثمة اعتقاد موضوعي بأن البرلمانيين العرب، اكثر حماسة واكثر التزاما، واكثر قدرة على الفعل والتأثير من مواقف الانظمة السياسية العربية، وبأن النشاطات البرلمانية تخترق المجتمعات الاجنبية وممثليها، وبالتالي فإنها تزرع في ارض خصبة ذات مردود اكثر تجذرا واكثر تأثيرا على المستوى الاستراتيجي.
في كل الاحوال وحتى لو كان الوفد الفلسطيني للاجتماع الوزاري العربي، مضطرا لمراعاة التناقض في مواقف الدول العربية، ما جعل من الصعب اصدار بيان افضل، رغم طول فترة المداولات، الا ان الموقف الفلسطيني كان ينبغي ان يكون اكثر قوة واشد وضوحا، نحو رفع سقف المطالبات الفلسطينية من الاشقاء العرب اولاً والمسلمين ثانيا.
في القمة الاسلامية التي دعا اليها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، اختلف الوضع كليا، حيث جاء خطاب الرئيس عباس، معبرا بقوة شديدة، ووضوح اشد، وبمطالبات اجرائية محددة، بمجموعها تضع المسلمين والعرب، لو انهم تبنوها امام وضع جديد، وتوظيف جديد وفاعل لقدراتهم في الدفاع عن مصالحهم.
الموقف الذي حدده الرئيس عباس ازاء مواقف وسياسات ودور الولايات المتحدة في عملية السلام، وازاء السياسات الاسرائيلية، وطبيعة ومستقبل الصراع، أشهر «لا» عالية، لكل هذه السياسات وعبر عن استعداد الفلسطينيين للتحدي دفاعاً عن حقوقهم وثوابتهم.
في خطابه كشف الرئيس عباس، جوهر وطبيعة السياسة الاميركية على نحو شامل، معترفاً بأن منظمة التحرير كانت تستجيب لطلبات الادارة الاميركية، بتأجيل اتخاذ بعض الخطوات، نحو المؤسسات الدولية، غير انه يستخلص بأن الولايات المتحدة ليست دولة تحترم التزاماتها وتعهداتها ووعودها. ثمة اسباب كثيرة قبل قرار ترامب الاخير، كانت كافية، للتوقف عن المراهنة على دور اميركي فيه ولو القليل من النزاهة والحيادية، غير ان قراره الاخير نزع كل الاقنعة عن الوجه الحقيقي الاستعماري للولايات المتحدة، ما جعلها عمليا خارج دائرة الرعاية للعملية السياسية، التي اصر الرئيس عباس على التمسك بها. القرار الفلسطيني بتنحية دور الولايات المتحدة عن الدور التقليدي الذي لعبته في اطار احتكار الرعاية للعملية السلمية انتهى لصالح التوجه الى الامم المتحدة. القرار مشفوع باجراءات اعلنها الرئيس بمقاطعة الاتصال والعلاقة مع القنصلية الاميركية في القدس وايضا بعدم استقبال بينس، نائب الرئيس الاميركي الذي يزور المنطقة.
لم يظهر في خطاب الرئيس عباس اي تردد، او استدراك او خوف من اعلان التحدي، محملاً الولايات المتحدة المسؤولية عن تصاعد التطرف الديني وغير الديني في المنطقة وضد سياسات ومصالح اميركا وحليفتها اسرائيل.
وبلغة واضحة يتهم الرئيس عن حق الولايات المتحدة، برعاية وحماية ودعم نظام التمييز العنصري الذي تعبر عنه اسرائيل بحكومتها المتطرفة وسياساتها التهويدية والاستيطانية. وازاء التعامل مع الاحتلال الاسرائيلي يقول الرئيس فيما يمكن اعتباره تمهيدا لاتخاذ قرارات محددة، إن الاتفاقيات التي تحكم العلاقة بين المنظمة واسرائيل كأنها لم تكن، خاصة وان اسرائيل تنصلت منها عمليا خلال العقود اللاحقة.
خطاب الرئيس قدم ملامح استراتيجية وطنية فلسطينية جديدة سواء في العلاقة مع اسرائيل او الولايات المتحدة او المجتمع الدولي. ونظن ان ما ورد في الخطاب، يشكل نقطة متقدمة على طريق تحقيق اجماع وطني فلسطيني، مع ما تحتاجه الى قرارات محددة. في كل الاحوال فإن خطاب الرئيس يقدم غطاء سياسياً لتصعيد المقاومة الشعبية السلمية، ونحو استنفار كل طاقة العمل السياسي والدبلوماسي والقانوني الفلسطيني.
ثمة ضرورة لاستنفار طواقم العمل السياسي والقانوني المتخصص بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والفصائل وكل مقومات المجتمع الفلسطيني استعدادا لخوض الصراع بكل الاشكال، الا ما ينبغي الحذر من استخدامه في هذه الظروف وهو العنف. لا بد من ان تدرك الفصائل والقوى الفلسطينية بعامة ان اسرائيل تعمل على حرف الانظار عن المعركة الاساسية، نحو تصعيد المواجهة العسكرية مع قطاع غزة، الامر الذي يلزم الكل الفلسطيني ضرورة كظم الغيظ، وضبط النفس مهما صعدت اسرائيل من عدوانيتها، ان ملامح الاستراتيجية التي تضمنها خطاب الرئيس، تشير الى ان الفلسطينيين على اعتاب مرحلة جديدة مختلفة عن المرحلة السابقة، وتندفع نحو خوض الصراع المفتوح على كل الحقوق التاريخية الفلسطينية على كل الارض الفلسطينية حتى لو استمر اعتماد الخطاب الذي يستند الى قرارات الامم المتحدة والشرعية الدولية.