بقلم : طلال عوكل
اليوم ينهي المجلس الوطني الفلسطيني اجتماعاته، تاركاً خلفه كومة من الملاحظات حول مكان وزمان انعقاده، وحول عضويته ونصابه ومن حضر ومن لم يحضر، إذ لم يعد أي قيمة لأحاديث ومواقف الأمس إلاّ من باب تسجيل المواقف، وتبرئة الذمم، واستمرار تبادل الاتهامات.
المجلس سينتهي بوضع رؤية سياسية، كان الرئيس محمود عباس قد تناول تفاصيلها في خطابه المطول أمام المجلس، وهي على الأغلب رؤية لا جديد فيها عما ورد في خطاباته ومواقفه السابقة على انعقاد المجلس. تقوم الرؤية السياسية على التمسك بالثوابت والحقوق كما نص عليها المجلس الوطني الذي انعقد عام 1988 في الجزائر تحت عنوان مجلس دولة فلسطين، تلك الجلسة التي أطلقت ما عرف بمبادرة السلام الفلسطينية ومهدت لما جاء بعدها وعنوانها اتفاقية اوسلو.
النهج العام والخيار لم يتغير، من حيث الالتزام بإنجاز الحقوق الوطنية وفق ما قررته الأمم المتحدة، ومن خلال المفاوضات، لتحقيق السلام، ولم يتغير، أيضاً، خيار المقاومة الشعبية والسياسية السلمية لخوض الصراع.
على أن هذا الموقف، ينطوي على تحد واضح للمخططات الأميركية الإسرائيلية، الأمر الذي يشكل حداً أدنى من التوافق الفلسطيني قبل أن تندلع حملة التشكيك، بأن المنظمة ترمي من وراء ذلك إلى التقاطع مع صفقة العصر، التي تتحدث مصادر أميركية وغير أميركية عن إمكانية إدخال تعديلات عليها.
لو أن الأوضاع في الساحة الفلسطينية كانت على غير ما هي عليه من مضاربات وخلافات، واستقطابات، وأوجاع، لكان بالإمكان الاعتقاد أن هذه الرؤية السياسية يمكن أن تشكل أساساً لتوافق معظم القوى السياسية الفاعلة، حتى لو بقيت بعض التحفظات الثانوية على بعض تفاصيلها. ولكن ما ان كان الوضع مختلفاً، فإن هذا الاختلاف العميق، سيخلق خطابه الخاص وتداعياته، بحيث يظل الموضوع السياسي مصدر خلاف، ولتبرير الخلاف. يعني ذلك أن الخلاف والاختلاف سيفتح باب المزايدات على مصراعيه، وسيرفع من وتيرة الشعاراتية والعدمية السياسية، بما يوفر الغذاء الرئيسي لحملات الاشتباك، وتبرير المواقف والسياسات.
من المؤكد والمتوقع أن المجلس سينتخب مجلساً مركزياً جديداً ولجنة تنفيذية جديدة، وعلى ذلك سيندلع خلاف مرة أخرى، حول الأشخاص والتمثيل والحصص، وستعكس هاتان المحطتان بعضاً من الأهداف التي تقف وراء انعقاد المجلس الوطني في هذه الفترة وفي ضوء هذه الظروف. وفي المقابل ستعلو نبرة الدفاع عن التجديد والقيادات الشابة، والديمقراطية والنزاهة، وعن خسارة الذين اختاروا نهج المقاطعة والاستنكاف، وانتظار المجهول.
غير أن المجلس الوطني بات حقيقة واقعة، وما نجم عنه من قرارات، ومؤسسات باتت هي الأخرى حقيقة واقعة سيضطر الجميع للتعامل معها بجدية إن كان من موقع الإنكار والرفض أو كان من موقع الصمت، أو القبول. وربما كان على المعترضين على انعقاد المجلس أو الذين تم إقصاؤهم بهذه التخريجة أو تلك، أن يأخذوا بعين الاعتبار أن مخرجات المجلس، من شأنها أن تقوي موقع حركة فتح في البحث عن طريق لتحقيق المصالحة، وتوفر لها أدوات جديدة لممارسة المزيد من الضغط على حركة حماس، وعلى مليوني فلسطيني في قطاع غزة. الأخ إسماعيل هنية أصاب حين دعا إلى انتخابات شاملة وفورية، لكن إجراء مثل هذه الانتخابات من غير الممكن أن ترى النور في ظل استمرار الانقسام، ولا نظن أنه يقصد انتخابات على مستوى قطاع غزة فقط.
بعد أن جرى ما جرى لا بد من البحث عن خارطة طريق واقعية لمعالجة كل الآثار الناجمة عن انعقاد المجلس الوطني بهذه الطريقة، التي تضعف الشرعية السياسية ولكن لا تشلها. السؤال موجه لحركة حماس التي تقف على الضفة الضعيفة من المعادلة، خاصة في ضوء محدودية خياراتها. تعرف حماس أنها غير مرغوبة فيما هي عليه من سياسات ومواقف، لا من قبل المحيط العربي ولا من قبل المحيط الدولي، فهي إما أن تأخذ بخيار شمشون، ولا نظنها تنحو إلى مثل هذا الخيار، وإما أن تساوم على بعض مصادر قوتها، ونقصد سلاح المقاومة، إذ إن قبولها بالاستجابة للشروط الأميركية الإسرائيلية، أمر غير وارد لأنه يعني سقوطاً مدوياً، لا مجال لخيارات أخرى، ذات قيمة كبيرة في معادلة العلاقات الداخلية، ولذلك وإذا كان موضوع السلاح مطروحاً للتداول، تفعيلاً أو تجميداً، فإننا نقول مع الأسف الشديد إن معالجة هذا الملف في الإطار الفلسطيني هو الخيار الأفضل والأقل تكلفة.
يترتب على حماس أن تسترجع مجريات شروط المصالحة خلال الفترة السابقة، فلقد كان بالإمكان قبل أربع سنوات، أن يؤدي تسليم المعابر لصالح السلطة، خطوة كبيرة نحو المصالحة، لكن ذلك لم يحصل، ثم كان بالإمكان أن تتم عملية تمكين الحكومة من دون المساس بسلاح المقاومة، الذي قيل إنه يمكن تأجيله أو وضعه جانباً، لكن ذلك لم يحصل، أما الآن فإن المصالحة من وجهة نظر فتح تتطلب تسليم السلطة فوق الأرض وتحتها. الخشية أن رفض هذا المنطق، سيؤدي إلى تصعيد في كم ونوع الخسائر، إذ كان مطلب الأخ اسماعيل هنية محقاً، وهو الذي سيعطي كل ذي حق حقه، ويصحح ما وقع وسيقع من أخطار وخطايا، فإن الوصول إلى صناديق الاقتراع يقتضي تحقيق المصالحة. ما عدا ذلك، فإن الآلام ستزداد، وتتعمق أزمة الثقة، وتختفي الخيارات الحقيقية لتترك المجال لخيار واحد، يعني التسليم للتدخلات الخارجية التي تسعى لفرض واقع الانفصال، وإقامة كيان فلسطيني في غزة.
المصدر : جريدة الأيام