محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت المسؤول الأول عن الأمن في قطاع غزة اللواء توفيق أبو نعيم، تثير الكثير من الأسئلة، التي قد تحمل الإجابات عنها بعض المؤشرات، التي تنتظر قطاع غزة في عهد المصالحة.
ثمة أهمية كبيرة، لا أظنّ أن حماس تتجاهلها، لمعرفة وإلقاء القبض على الجُناة، ومن يقف خلفهم ذلك أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال حصر الهدف بالانتقام من اللواء أبو نعيم.
من وجهة نظر موضوعية، يشكل أبو نعيم هدفاً دسماً للقوى المعادية، سواء كانت إسرائيل أو الجماعات المتطرفة والسلفية، فهو أسير مُحرَّر، والمسؤول المباشر عن تنفيذ التفاهمات الأمنيةمع مصر، فضلاً عن أنه أحد أبرز المتحمّسين للمصالحة، والمحاورين من أجل إتمام الاتفاق بشأنها من طرف حركة حماس.
استهداف أبو نعيم، ينطوي على رسالة قوية، فإذا كان من السهل الوصول للمسؤول الأول عن الأمن، فإن الوصول إلى غيره من المسؤولين في قائمة المستهدفين.
والأرجح أن لا تكون المحاولة الفاشلة التي استهدفت أبو نعيم هي الأخيرة، ذلك أن الفاعلين، لا تتوقف أهدافهم عند شخص مسؤول بعينه.
أما الرسالة الأخرى، فإنها تذهب إلى، ضعف الإجراءات الأمنية، في حماية المسؤولين، ما يضرب اعتزاز حركة حماس بمنظومتها الأمنية، وبقدراتها على هذا الصعيد، خاصة بعد اغتيال الشهيد فقهاء وهو الآخر أسير محرر قبل بضعة أشهر.
وثمة رسالة أخرى لا يجوز إغفالها، عن مجريات التحقيق الذي أكدت التجربة أنها على الأرجح ستنتهي بإلقاء القبض على الفاعل، وهي أن على حركة حماس أن تتحسّب إزاء احتمال وجود اختراقات أمنية من قبل أطراف معادية.
أما عن الجهة المسؤولة، أو المرجح أن تكون مسؤولة عن هذا العمل الإجرامي فإنها لا تتعدّى ثلاثا هي: إسرائيل، والجماعات السلفية المتطرفة، وأصحاب المصلحة في بقاء الانقسام.
إسرائيل صاحبة مصلحة في إجهاض وإفشال جهود المصالحة، ذلك أنها اعتبرت الانقسام ذخراً استراتيجياً، وفر لها الذرائع لإضعاف الحالة الفلسطينية، ومواصلة تنفيذ مخططاتها التوسعية والاستيطانية.
حتى الآن تبدي إسرائيل مقاومة شديدة لأي مبادرة سلام، أو تحرك سياسي، يقوم على أساس رؤية الدولتين. لقد مكنها واقع الانقسام من أن تنكر وجود شريك فلسطيني، وأن تشكك في الشرعية الفلسطينية، ولذلك فإن المصالحة تنزع منها هذه الذخيرة وتبطل الذرائع والمبرّرات التي تعتمدها كل الوقت، وفي الوقت ذاته لا تملك إسرائيل الذرائع والغطاء الدولي، للقيام بعمل كبير من أجل إفشال المصالحة كما فعلت بعد اتفاقية الشاطئ العام 2014.
لقد أصبحت المصالحة لأسباب سياسية دولية وعربية مطلباً ملحاً، ما يشكل ضغطاً كبيراً على إسرائيل، ويضعف قدرتها على إفشال المصالحة. لذلك قد تلجأ إلى القيام بعمليات من النوع الذي وقع بحق أبو نعيم، وفي الوقت ذاته تتهرب من المسؤولية عمّا تفعله.
الحظ وضعف خبرة المنفذ هما اللذان أنقذا أبو نعيم، وأدّيا إلى إصابته، وخروجه من المستشفى وهو في حالة جيدة، خلال وقت قصير.
أما الجهة الثانية المرشحة لأن تكون المسؤولة عن العملية، فهي الجماعات السلفية المتطرفة، التي لا تروق لها وحدة الحال الفلسطينية، لأن أجنداتها وأهدافها بعيدة كل البعد عن الوطنية الفلسطينية.
هذه الجماعات تلقت ضربات موجعة من جهاز الأمن الداخلي المسؤول عنه أبو نعيم، حيث هناك مئات منهم يقبعون في السجون، ليس آخرهم مسؤول هذه الجماعات الذي نجحت أجهزة الأمن في اعتقاله قبل أسابيع قليلة.
وفي الواقع، فإن التزام حماس بتنفيذ التفاهمات مع مصر وأهمها الالتزامات الأمنية، قد شكل الشعرة التي قصمت ظهر البعير، حيث إنها تشكل عائقاً كبيراً أمام حركة الأفراد والسلاح من وإلى قطاع غزة، فضلاً عن أنها قد تتطلب من حماس تقديم معلومات للجانب المصري عن هذه الجماعات.
الحرب بين حماس وهذه الجماعات لم تعد باردة، ولا بقيت طي الكتمان، وهي تضع حماس أمام تحديات ومسؤوليات كبيرة، ذلك أن هذه الجماعات تريد أن تقول إنها تملك إمكانيات العمل، وإلحاق الأذى بأي مسؤول في حماس.
عند هذه النقطة، وإذا لم تبادر حماس إلى ملاحقة واجتثاث هذه الجماعات، فإن الأمر قد يُفضي إلى حالة من الفلتان الأمني والفوضى والصراع الدموي في قطاع غزة، خاصة في هذه المرحلة الرمادية التي تمر فيها عملية انتقال السلطة إلى الحكومة الفلسطينية، بما يستدعي ذلك من تغيرات على مستوى الهيكلية والمسؤوليات.
في كل الحالات ومهما كانت نتائج وآثار وترتيبات المصالحة على المستوى الأمني، فإن حماس لا تستطيع التهرب من مسؤولياتها إزاء إمكانية تنامي نشاط القوى والجماعات السلفية المتطرفة، التي استفادت من مناخ الحكم في غزة خلال مرحلة الانقسام ولا يهمها إن كان ما تقوم به يخدم إسرائيل أو سواها.
أخيراً فإن المتضررين من المصالحة، وهم ليسوا حصرياً في حماس فإنهم لا يملكون الجرأة والإمكانية للقيام بأعمال من هذا المستوى الخطير، وقد يراهنون على تعظيم العقبات التي تقف في طريق المصالحة دون أن يُعَرِّضوا أنفسهم للخطر المباشر.
في كل الحالات فإن إسرائيل هي المستفيدة من وراء هذه المحاولة، سواء كان الهدف انتقاميا، أو لإفشال المصالحة، أو لإرباك الساحة الداخلية بالفلتان الأمني والفوضى.