فجأة ودون مقدمات أو سابق إنذار، يتحول المشهد المأساوي إلى حالة شاملة من التفاؤل بشأن الملف السياسي الوطني العام وبشأن العلاقات الداخلية الفلسطينية وعود جديدة ورهانات متجددة طفت على سطح الأحداث التي شهدتها الساحة الفلسطينية خلال أيام قليلة يتمنى كل فلسطيني أن لا تنتهي إلى خيبة أمل جديدة كما وقع منذ أكثر من عقد من الزمان.
بدا وكأن زيارة الوفد الأميركي برئاسة صهر الرئيس ترامب جارد كوشنير، قد حركت الكثير من التوقعات الإيجابية.
مناخ لم نتعود عليه كفلسطينيين، ولا يمكن أن نتوقعه في أحلامنا، خلقته هذه الزيارة، ما يدعو إلى التفكير، والقلق، ذلك أننا كفلسطينيين وعرب، فقدنا منذ زمن الثقة بأن الولايات المتحدة يمكن أن تتخذ موقفاً يشي بشبهة الإيجابية. وفي الحقيقة فإن السياقات التاريخية لا تدعو البتة، للاعتقاد بأن الولايات المتحدة، يمكن أن تقدم على خطوة، تغضب إسرائيل، أو تتناقض مع سياساتها ومصالحها.
يبدو أن الوفد الأميركي نقل رسالة ود للرئيس عباس، هي على الأرجح يمكن تحميلها على منطق العلاقات العامة، ذلك أن الهدف من وراء ذلك، إقناع الرئيس عباس بأن ثمة فرصة للسلام، تستدعي عدم الإقدام على اتخاذ أي قرارات أو خطوات استفزازية قبل أو خلال توجهه إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر القادم.
تصريحات الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، أشارت إلى عمق وجدية الحوار الذي دار بين الوفد الأميركي والرئيس، ذلك على الرغم من أن مقربين من «المقاطعة»، أشاعوا مناخاً من السلبية حول ما حمله الوفد الزائر، ما ينسجم مع الموقف السياسي الفلسطيني العام إزاء سياسات ومواقف الإدارات الأميركية بما في ذلك إدارة ترامب.
ترامب أعلن عن أنه سيعمل على إنهاء الانقسام الفلسطيني، وهو أمر مخالف جداً للسياسة الأميركية، التي لم تتوقف عن دعم المخططات الإسرائيلية، التي تعتبر الانقسام ذخراً استراتيجياً وهو جزء أساسي من سياستها لفصل قطاع غزة، والقضاء على رؤية الدولتين.
ثمة من يصدق ذلك، ويبني عليه آمالاً عريضة إن كان فيما يتعلق بمدى جدية الإدارة الأميركية إزاء تحريك عملية سلام مجدية ومقبولة للفلسطينيين أو إن كان فيما يتعلق بإنهاء الانقسام طالما أن الولايات المتحدة رفعت الفيتو عن هذا الملف.
قبل توجهه إلى تركيا، اتخذت حكومة الوفاق بموافقة الرئيس عباس قراراً، يسمح للموظفين في قطاعي الصحة والتعليم بمواصلة العمل، دون أن يكون واضحا إذا ما كان ذلك يعني وقف قرار التقاعد أو وقف الخصم من مرتباتهم. حماس استقبلت القرار بإيجابية لكن الناطق باسمها فوزي برهوم، قال إنه ليس كافياً.
بعد يوم واحد من تصريح برهوم، كتب القيادي في الحركة أحمد يوسف، أو أدلى بتصريحات مخالفة، تنضح بالإيجابية، وتفيض بالكثير من الوعود. فقال: «إن الحركة قررت فعلياً التوجه إلى مصالحة واتفاق نهائي مع الرئيس عباس وإن تطورات إيجابية ستحدث خلال الأيام القادمة».
يكرر يوسف عملياً، ما أدلى به الدكتور ناصر الشاعر، ما يضفي قدراً من المصداقية، التي تقصر عن إقناع الفلسطينيين بمدى صحتها، خصوصاً وأنهم تلقوا الكثير من خيبات الأمل، حتى لم يعد أحد يصدق ما يسمع قبل أن يرى ويلمس صحة هذه الوعود.
يعتقد يوسف أنه إذا صدقت تصريحات ترامب فإن الإدارة الأميركية تكون قد أدركت خطورة هذا الانقسام واستمراره، باعتبار أن استمراره سيدفع باتجاه الغلو والتطرف في قطاع غزة، لأنه إذا توسع فسيكون بيئة خصبة للإرهاب والإضرار بأمن المنطقة كلها، خاصة الأمن القومي المصري.
والسؤال هو: متى كانت الولايات المتحدة حريصة على الحقوق الفلسطينية، وكل ما صدر ويصدر عنها، بهذا الخصوص يشير إلى أنها تتبنى كلياً السياسات والمخططات الإسرائيلية؟ وأيضاً، هل يعني حرص ترامب على إنهاء الانقسام، أنه غيّر موقف بلاده من اعتبار حركة حماس حركة إرهابية، وبأنها يمكن أن تنخرط في سلطة تلتزم بنهج المفاوضات، وبما ترتب عن أوسلو من التزامات؟
شيء يضع العقل في الكف كما يقول السوريون، وهو أشبه بحلم جميل سرعان ما تبدده إشعاعات الشمس. أغلب ما ورد في تصريحات الدكتور أحمد يوسف يتخذ طابع القرارات، وليس التحليل، فهو واثق من أن كل الأطراف، الرئيس عباس وحماس والنائب دحلان تتوفر لديهم رغبة حقيقية في إنهاء الانقسام، وأن حركته لن تضحي بتفاهماتها مع مصر أو مع النائب محمد دحلان.
هل يعني ذلك أن الرئيس عباس تراجع عن رفضه لخارطة الطريق التي طرحتها الرباعية العربية قبل نهاية العام الماضي، وأول بند فيها تحقيق المصالحة الداخلية في حركة فتح؟ أسئلة كثيرة تثيرها هذه التصريحات والوقائع، ولا تراعي السياسة والمواقف الإسرائيلية، التي تعترض بقوة وتمتلك القوة للاعتراض على كل هذه السياقات.
المواطن الفلسطيني ليس عليه أن يصدق أحداً، وربما يجب أن نحذر الفصائل والقيادات من أن ينساقوا وراء هذه الأجواء الإيجابية، التي تعد أقرب إلى الشائعات. الرئيس اليوم في تركيا لتحفيزها على التدخل لإنهاء الانقسام، ولكن السؤال هو: هل تستطيع تركيا رغم علاقتها الإيجابية والجيدة مع حماس، أن تحرك هذا الملف، من خلف ظهر القاهرة، صاحبة الولاية، والإمكانية أكثر من غيرها، للتأثير في كل الملفات الفلسطينية السياسية العامة، والداخلية؟