بقلم :طلال عوكل
ترتفع حرارة التوتر في القدس، يوماً بعد الآخر، إلى الحد الذي ينذر بتوسيع دائرة المواجهة، بما قد يؤشر إلى وقوع انتفاضة شاملة، ستكون بداية التحول نحو الصراع المفتوح. إسرائيل هي التي اختارت المكان والزمان وآليات تفجير الصراع، الذي يستهدف وضع حد لكل المبادرات السياسية الدولية والإقليمية، التي تقوم على شبهة تحقيق رؤية الدولتين. وبغض النظر عن الدوافع الشخصية لرئيس الحكومة الإسرائيلية الذي أراد كهدف ثانوي الهروب من الملاحقات القضائية التي تتهمه بالفساد، فإن السياسة الإسرائيلية تعمل كل الوقت بطريقة منهاجية لإغلاق ملف القدس، وفرض السيادة عليها كلها بما في ذلك المسجد الأقصى، حتى لو أدى ذلك إلى بعض التداعيات التي تعتقد الحكومة أنها قادرة على استيعابها.
محاولة الحكومة الإسرائيلية لتجاوز المقدسيين وكل الحالة الفلسطينية عبر الصفقة التي أبرمتها مع الحكومة الأردنية والتي تقضي بعودة الضابط الإسرائيلي القاتل وتعويض ذوي الشهداء، مقابل رفع البوابات الإلكترونية هذه الصفقة انتهت إلى لا شيء عملياً. لم تنجح محاولات تجاوز الفلسطينيين بعد أن قررت المرجعية الوطنية والدينية المقدسية رفض كل الإجراءات الأمنية وغير الأمنية الإسرائيلية، والاستمرار في المجابهة، وبقيت عملية قتل الأردنيين معزولة، بحيث بدت على أنها تنطوي على إهانة للأردن، وانتصار لنتنياهو.
لم تدم فرحة نتنياهو طويلاً، بعودة ضابط الأمن القاتل، فلقد جاء استطلاع للرأي أجرته القناة الإسرائيلية الثانية، ليصفع رئيس الحكومة، الذي عارضه نحو ثلثي العينة والتي أبدت استياءً من طريقة معالجته لموضوع المسجد الأقصى. الجمهور الإسرائيلي تماهى تماماً مع الطبيعة المتطرفة للحكومة، التي لم يعد بإمكانها تقديم تنازلات أخرى فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، الأمر الذي لو حصل فإنه سيطيح بنتنياهو شخصياً.
لذلك وفي إطار التماهي مع الجمهور الإسرائيلي عاد نتنياهو ليصعد إلى قمة الشجرة بعد أن هبط إلى منتصفها فأمر الشرطة بتفتيش كل مصل بوسائل معدنية وشخصية مباشرة. الإجراء الجديد بالإضافة إلى الكاميرات الذكية أو الغبية، تنطوي على خطورة لا تقل عن خطورة البوابات الإلكترونية. مقابل ذلك وفي مواجهة السياسة الإسرائيلية والتخاذل الدولي، رفعت القيادة الفلسطينية سقف الموقف السياسي إلى حدود غير مسبوقة. فبعد التأكيد على استمرار وقف الاتصالات بما في ذلك التنسيق الأمني، يعطي الرئيس تعليماته بتصعيد المقاومة الشعبية. في كل أماكن الاحتكاك، بالإضافة إلى خطوات أخرى، تتصل بالانضمام إلى ثمان وعشرين منظمة دولية، والتوجه إلى لاهاي.
المواقف التي أعلنها الرئيس، تنطوي على رسائل كثيرة نذكر من بينها على وجه الخصوص ما يتعلق بالإدارة الأميركية التي سبق أن طلبت من السلطة التريث في الانضمام إلى المزيد من المنظمات الدولية، ومحكمة لاهاي بدعوى أن ذلك يشكل استفزازاً لإسرائيل ويعرقل المساعي الأميركية الهادفة إلى حياء المفاوضات.
على أن الأهم هو أن خطاب الرئيس يكمل الدائرة الفلسطينية ويوفر إجماعاً شعبياً وسياسياً، رسمياً وفصائلياً، حول أهمية الوحدة الميدانية، في المجابهة، حتى لو بقي الانقسام على حاله.
خطاب الرئيس يطرح المعادلة على حقيقتها، إذ لا يمكن للفلسطينيين أن يقبلوا أنصاف الحلول، فالخيار الوحيد المطروح إما أسود أو أبيض، أي إما أن تعود إسرائيل عن كل إجراءاتها وإما هي المواجهة الشاملة.. وإدا كان من غير الممكن أن تتراجع إسرائيل عن كل الإجراءات التي فرضتها، لأنها في هذه الحالة، ستكون أوقعت نفسها في فخ هزيمة كبيرة، لا قبل لها على تحملها، فإن الأمور تتجه إذن نحو الصراع المفتوح.
لم تنفع تحذيرات ممثل الأمم المتحدة لعملية السلام، نيكولاي ملادينوف، من أنه إذا لم يتم التوصل إلى حل قبل يوم الجمعة القادم، فإن الأمور ستنزلق إلى مستويات عالية من الخطر.
مجلس الأمن الدولي، الذي تقف فيه مندوبة الولايات المتحدة على ركبة ونصف دفاعاً عن إسرائيل، لم يقدر المخاطر المترتبة على تخاذله، إذ لا تكفي الدعوة للهدوء وعدم التصعيد، ومطالبة الأطراف بإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الرابع عشر من الجاري. لا يمكن لإسرائيل أن تنصاع لمثل هذه الدعوات كما لا يمكن لمجلس الأمن الدولي أن يتجاوز حدود الدعوة المكرورة، إذن فالأمور تتجه نحو التصعيد.
التصعيد حتى الآن وبالمعنى النسبي لم يتجاوز إلاّ قليلاً الأراضي المحتلة، ولكن يوم الجمعة القادم، سيكون علامة أخرى فارقة، في اتجاه تفعيل تضامن الشعوب العربية والإسلامية، وكذا المؤسسات العربية والإقليمية مع القدس وأهلها. لن يغفر التاريخ لأي نظام عربي أو إسلامي التخلف عن القيام بما يمكن القيام به، خاصة وقد توحّد الفلسطينيون كلهم بما لا يترك لأحد ذريعة للتخلف أو التخاذل. ومن غير المستبعد أن يؤدي استمرار وتصاعد الصراع، إلى اهتزاز بعض العروش الهشّة، وعودة القضية الفلسطينية لكي تتصدر كل الأجندات والأولويات.