الزيارة المستمرة لوفد حركة حماس للقاهرة، حرّكت لدى بسطاء الناس، مشاعر بالتفاؤل الحذر المُسَيَّج بالشكوك إزاء إمكانية تحقيق المصالحة الوطنية. الأنظار في قطاع غزة، المكتوي أكثر من الفلسطينيين في الضفة مشدودة إلى ما يصدر من تصريحات تنطوي على وعود سبق لهم أن ألفوها، وتكررت على مسامعهم عشرات المرّات، لكن النتائج كانت دائماً المزيد من خيبات الأمل. لكن حدس الناس وتجربتهم الطويلة مع خيبات الأمل، جعلتهم يتطلعون إلى الحد الأدنى من النتائج الإيجابية، وهو الحصول على تسهيلات لتخفيف الحصار فيما يتعلق بأزمة الكهرباء ومعبر رفح، وبدرجة أقل التبادل التجاري.
من يدخل إلى غزة يصاب بمرض التفاؤل غير الموضوعي، المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، ملادينوف، ما أن دخل غزة يوم أمس، حتى أطلق تصريحاً ينطوي على ترحيب بالتطورات التي يعتبرها إيجابية في القاهرة، كممثل للأمم المتحدة، يكرر ملادينوف التأكيد على مخاطر استمرار الانقسام، وأهمية تحقيق الوحدة، ويعتبر أن غزة جزء لا يتجزأ من أي دولة فلسطينية مستقلة.
تصريح ملادينوف محمول على الموقف التقليدي الذي تتخذه الأمم المتحدة، ويبدو أنه شخصياً متحمس له، لكنه يعرف كما يعرف غيره وربما أكثر أن الأحداث تجاوزت إمكانية تحقيق السلام على أساس رؤية الدولتين.
في القاهرة، تبدو حماس أنها أبرأت ذمتها إزاء موضوع إنهاء الانقسام، حين وضعت اللجنة الإدارية وديعة لدى مصر من دون أن تشترط إلغاء العقوبات على قطاع غزة أولا.
تستكمل حماس بذلك، عملية تأكيد مصداقيتها في العلاقة مع القاهرة، ذلك أنها تؤكد ثقتها بمصر، واستعدادها لتعميق خيار العلاقة، فضلاً عن أنها تحتاج إلى الضمانة المصرية، حتى لا يكون حل اللجنة الإدارية، خطوة منفردة لا يتبعها أية خطوات أخرى كما حصل بالنسبة لحل حكومتها، واستبدالها بحكومة الوفاق الوطني.
الرد جاء سريعاً من قبل حركة فتح، سواء في بيان اللجنة المركزية، أو على لسان عضو اللجنة عزام الأحمد، الذي أكد أن حركته لن تلتقي بحركة حماس في القاهرة، قبل إعلان الأخيرة حل اللجنة الإدارية وتمكين حكومة الوفاق من أداء مهماتها في قطاع غزة.
من المؤكد أن مصر ستتابع الاتصال والحديث مع القيادة الفلسطينية واللجنة المركزية لفتح، لكنها على الأرجح لن تغامر بالتفريط في الثقة التي حصلت عليها من حماس، إذا هي لم تحصل على ضمانات من قبل حركة فتح. وحتى تحصل على مثل هذه الضمانات، فإن على القاهرة أن تجيب عن الأسئلة المتعلقة بتفاهمات حماس مع النائب محمد دحلان، وأيضاً حول طبيعة علاقة مصر بحماس حين تتمكن حكومة الوفاق من بسط سيطرتها على الوضع في القطاع. فضلاً عن ذلك، فإن حركة حماس تتمسك بقوة، بضرورة استيعاب موظفيها في الاطار الوظيفي للسلطة، وهذه مسألة معقدة يختلف الطرفان على كيفية معالجتها.
والسؤال الأهم هو أن حماس وضعت ثقلها خلف خيار القاهرة، كخيار رئيسي، دون أن تفرط بحلم التواصل مع الخيارات الأخرى، سواء إيران وتحالفاتها، أو قطر أو تركيا، لكن حركة فتح التي تظل تتحدث عن إيجابية العلاقة مع القاهرة، تتجه نحو خيارات أخرى القاهرة ليست الأولى من بينها أو الأهم.
كيف يمكن والحال على ما هو عليه من تعقيدات أن ننتظر تحريك عملية المصالحة، التي تتطلب «مصالحة» بين حركة فتح، والقاهرة التي تنظر إلى رد اللجنة المركزية على أنه يحمل رسالة ضمنية للقاهرة من أنها لن تستجيب لأي جهد تقوم به، ما لم تعلن هي أو حماس حل اللجنة الإدارية، والقبول باشتراطات الرئيس محمود عباس؟
في كل الأحوال لا نعتقد أن وضع الموقف من اللجنة الإدارية وتمكين حكومة الوفاق وديعة لدى مصر أن حماس التي تبدو مرتاحة من علاقتها بالقاهرة، بأن ذلك يعني إمكانية قبولها بمعادلة اقبل أو ارفض. مرة أخرى تدور الساقية من دون أن تحرك المياه الغائرة في قعر الوادي، غير أن زيارة وفد حماس الذي يمثل كل وجهات النظر، لم تكن دون فائدة. من غير المرجح أن تؤدي مرونة الحركة إزاء موضوع المصالحة إلى مصالحة، لكن ذلك يساعدها على تعزيز علاقاتها وثقتها بالقاهرة ورغبتها في دفع عجلة تحقيق التفاهمات معها، أو مع تيار محمد دحلان.
وبالاجمال يمكن الذهاب إلى ما هو أبعد، لرؤية مغزى ذلك على الحركة ورؤيتها السياسية، حيث أنها تمضي قدماً في اتجاه التكيف لعملية الاحتواء التي تلقى استجابة من القاهرة.
معنى ذلك أن على الكل أن يراقب بعين مفتوحة التحولات التي تشهدها حركة حماس، وتتجاوز الوثيقة السياسية، وهذه المرة، ليس عبر التصريحات وكثير الكلام، وإنما عبر العمل والممارسة والكثير منها. نعم متأخرة هذه التحولات في سياسة الحركة، وممارستها السياسية، لكن على قول المثل المأثور: أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي. غير أن الامتحان، الذي ينتظر مدى مصداقية هذه التحولات، يعود إلى الميدان سواء على المستوى الوطني العام أو على مستوى كيفية التعامل مع المجتمع في قطاع غزة، ومع عناصر الفعل الفلسطيني السياسية والاجتماعية؟