لا ينتهي الجدل والاختلاف حول طبيعة العلاقة بين الحركة الصهيونية واسرائيل من ناحية وسلطات اتخاذ القرار في الولايات المتحدة الأميركية في الناحية الأخرى.
هل اسرائيل هي الولاية الثالثة والخمسون، أم انها الولاية التي تتحكم في سياسات الاثنين وخمسين ولاية أميركية؟.
في الواقع فإن الأمر لا يخرج عن اطار العلاقة بين الاستعمار وأدواته وآليات تحقيق مصالحة، فبعد افول الامبراطوريات الاوروبية التقليدية التي تنافست ثم اتفقت على تنفيذ المشروع الصهيوني، كان لا بد من أن يودع ذلك المشروع لدى رأس الاستعمار العالمي الجديد.
في ضوء تبدل الأزمان، والثورات التكنولوجية المتعاقبة والتطور الهائل والسريع لوسائل الاتصال وتطور آليات الرأسمالية والانتاج، لم تعد ثمة ضرورة دائما للتعريف بوجود الاستعمار من خلال عدد الجيوش والآليات التي تحقق السيطرة لدولة على دولة اخرى.
الولايات المتحدة هي امبراطورية العصر الحديث التي تتحكم إلى حد كبير في حركة المال والأعمال وتتدخل حتى في الحياة الخاصة للأفراد، وبالتالي هي تمارس دور الدولة الاستعمارية بامتياز.
اسرائيل تركب على ظهر هذه الامبراطورية التي تستمد قراراتها وسياساتها من واقع حاجاتها ومتطلبات بقائها على رأس النظام الدولي فتكون اسرائيل اداة وشريكا صغيرا وموثوقا.
الاثارة في هذا الموضوع هذه الأيام مرتبطة بوجود ادارة ينتمي غالبية موظفيها الكبار لليهودية أو المسيحية الصهيونية، وكان الانتماء الديني هو العامل الاساسي الذي يقرر السياسات والاستراتيجيات بالاضافة إلى المسؤولية عن دفع السياسة الأميركية إلى مستوى التطابق مع سياسات اليمين وكسر قرارات ومواثيق دولية.
اليهود الأميركيون هم جزء من مكونات المجتمع والنخبة الرأسمالية التي تمتلك امكانيات هائلة لكي تكون بصماتها موجودة ومؤثرة في كل مستويات القرار بما في ذلك الادارة ومجلسا النواب والشيوخ.
ثمة من يدعي معرفة آليات التأثير في اميركا كان قد قال إن عدد الاصوات التي يحصل عليها المرشح عادة تساوي أو تقترب إلى حد كبير من كمية الاموال التي تنفق على الحملة الانتخابية.
اذا كان المال يقرر في معظم الاحيان، ولا تسأل فلسطينيا عن ذلك، فإن تهور السياسة الاميركية نحو دعم التوسعية والعنصرية انما يعكس طبيعة الشراكات المقررة في الولايات المتحدة ويحظى منها المال اليهودي بجزء مهم ومؤثر.
قد يعترض البعض بدعوى ان ترامب شكل خروجا فظا عن السياسة التقليدية للولايات المتحدة فالمال اليهودي كان موجودا قبل ترامب.
في الحقيقة ان وصول ترامب بكل صفاته الفظة وأسلوب تفكيره وعمله له علاقة بالمرحلة الانتقالية بين بقاء اميركا على قمة الهرم العالمي وبين بداية تراجع مكانتها لصالح قوة اخرى.
ما يدعو لمثل هذا الحديث الذي قد يبدو مفتعلا او غير ضروري هو الحماسة الزائدة من قبل مسؤولين كبار من ادارة ترامب بشأن دعم أميركا لسياسة ضم نحو ثلاثين في المئة من ارض الضفة للسيادة الاسرائيلية.
قولوا ما تشاؤون عن ديفيد فريدمان لكنه سفير الولايات المتحدة في اسرائيل، هو يهودي أميركي يؤيد الاستيطان ويعبر عن سياسة استعمارية. رغم تضارب التصريحات الصادرة عن الخارجية الأميركية، بشأن صلاحيات وشروط إقدام اسرائيل على ضم أراضٍ فلسطينية، إلا أن فريدمان يعلن أن أميركا مستعدة للاعتراف بالسيادة الاسرائيلية بالضفة وغور الأردن خلال الأسابيع القادمة.
وفي تصريح آخر يقول إن إقامة دولة فلسطين تكون عندما يتحول الفلسطينيون إلى كنديين، وان تنازل اسرائيل عن الخليل كما لو ان واشنطن تتنازل عن تمثال الحرية.
بومبيو وزير خارجية أميركا قادم للاحتفال بأداء حكومة الرأسين اليمين الدستورية وهي الخطوة الاخيرة التي كانت تنتظرها واشنطن لاطلاق يد اسرائيل نحو ضم أراضٍ في الضفة.
واضح أن نتنياهو وزملاءه لا ينقصهم الحماس لتنفيذ كل ما ورد في صفقة القرن. ربما بكفي من الجانب الفلسطيني أن يصرح أحدهم بأن فريدمان كاذب وتصريحاته مرفوضة، أو أن يصف البعض ما يجري على أنه إعلان حالة حرب من قبل اسرائيل، أو ربما نكرر ما فعلناه دائما بتشكيل لجنة لبحث الملف وتقديم اقتراحات للقيادة، وربما نستمر في البحث عن جواب لسؤال الدجاجة أم البيض.
فريدمان يتحدث عن الخليل وليس عن الأغوار. هل سيكفي التهديد بتنفيذ قرارات الوطني والمركزي دون أي ترتيبات معلومة وإجراءات مدروسة للتعامل مع واقع ما بعد تنفيذ قرارات الضم، هذا إذا لم يتم ترحيل القرارات لمرحلة أخرى وتمديد العمل باستراتيجية التهديد؟
علامات وإجراءات الحرب من قبل إسرائيل لم تتوقف ولا حاجة لأن يذكر بعض الفلسطينيين أن هذا القرار أو ذاك هو إعلان حرب.
إسرائيل أعلنت منذ زمن حرباً شعواء مستمرة على كل الحقوق والوجود الفلسطيني ولكن يبدو أن اتخاذ القرار بالرد لم يحن بعد.
المهم أن لا يكون على طريقة من تعود القول: "سنرد في الوقت والمكان المناسبين" لأن المكان بالنسبة للفلسطينيين معروف، ولكن زمن الرد وطبيعته هو الذي يحتاج دائما إلى دراسة متأنية وصبر.
قد يهمك أيضا :
العنصرية تفضح كلمة الديمقراطية
حذار من المساس بالجدار الأخير