بقلم - طلال عوكل
لا تزال الحرب التي يشنها الحلف الأميركي الإسرائيلي على الفلسطينيين أرضاً وحقوقاً ووجوداً وقضية، لم تصل بعد إلى ذروتها. يتبادل الطرفان الأميركي والإسرائيلي عملية تقويض الحقوق والمؤسسات الوطنية الفلسطينية، فحين يفرغ الأميركي كل ما في جعبته من طلقات على رأس الحقوق الفلسطينية، يتابع الإسرائيلي بإطلاق المزيد من زخّات الرصاص، بهدف شلّ الوطنية الفلسطينية بأمل مثل أمل إبليس في الجنّة، حيث لا يمكن لهذا التحالف العدواني العنصري، أن ينجح في تصفية القضية الفلسطينية. الأشكال المختلفة وبكل الوسائل والأساليب، التي تشن إسرائيل من خلالها العدوان على كل الشعب الفلسطيني وبكثافة في هذه المرحلة التي تسبق الانتخابات، وتذخر بنادق المتنافسين على المقاعد لا يمكن أن تكون مؤقتة أو مرهونة بالأهداف اللحظية المباشرة.
كل الفلسطينيين في المهداف، من القدس والأقصى، إلى الخليل والإبراهيمي إلى نابلس وقبر يوسف إلى بيت لحم وقبر راحيل، إلى غزة وإلى بقية المدن والقرى الفلسطينية، هي كلها تتعرض يومياً للعدوان، وكلها الأرض والحقوق معرّضة للمصادرة، والاستيطان.
بعد التحريض الإسرائيلي على الرئيس محمود عباس، ووصف السلطة بأنها راعية للإرهاب، وأن الرئيس يمارس الإرهاب، السياسي والدبلوماسي، تقوم إسرائيل بالقرصنة على أموال المقاصة الفلسطينية.
القرار الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية والقاضي بخصم أربعة عشر مليون دولار لتعويض عملائها، وحوالي مئة وتسعة وثلاثين مليون دولار، ما يساوي ما تدفعه السلطة والمنظمة من مخصصات للشهداء والأسرى والجرحى، هذا القرار، ليس مؤقتاً، ولا يحلم أحد بأن تتراجع عنه إسرائيل كما حصل في مرة سابقة.
الكنيست الإسرائيلي كان أقر تشريعاً بهذا الخصوص، الأمر الذي يضاف إلى عشرات التشريعات ذات الطابع العنصري، الذي يميز هوية الدولة التي ارتضت لنفسها هذا الخيار.
في الواقع فإن هذا القرار، ليس قراراً مالياً فقط، وإن كانت إسرائيل تستهدف منه استكمال الضغط الأميركي الذي وقع على السلطة من أجل إضعافها قبل تفكيكها، بحيث لا تعود قادرة على القيام بمسؤولياتها تجاه مجتمعها تمهيداً لتفكيكها في مرحلة لاحقة.
من المؤكد أن هذا القرار سيؤثر على أداء السلطة، وعلى قدرتها لتنفيذ سياساتها في تلبية احتياجات المجتمع الفلسطيني، لكن هذا النوع من الضغط لا يمكن أن يؤدي إلى خضوع السياسة الفلسطينية لمقايضة الحقوق بالمال.
ولكن ربما كانت الولايات المتحدة تسعى لإخضاع الفلسطينيين حتى يعدلوا عن مواقفهم الرافضة للسياسة الأميركية، أو التعامل مع الإدارة الحالية، لكن إسرائيل، تسعى لتحقيق هدف آخر، وهو تقويض السلطة، وفرض السلام الاقتصادي، وتحويل السلطة إلى سلطات محلية في وقت لاحق لخدمة البسطار الإسرائيلي.
على أن المسألة لا تقف عند هذه الحدود، فالقرار الإسرائيلي يستهدف شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني، حيث أنه يمس بعشرات بل مئات الآلاف من ذوي الشهداء والجرحى والأسرى سواء داخل الوطن المحتل، أو خارجه في الشتات.
على أن من المهم الانتباه إلى بعد آخر، للقرار الإسرائيلي وهو أنه يستهدف تغيير الهوية الوطنية التحررية في بعديها السياسي والثقافي. أن تسطو إسرائيل على مخصصات الشهداء والأسرى والجرحى بدعوى أنهم ارهابيون، وأن هذه المخصصات تشكل مكافأة للإرهاب والإرهابيين، فإن هذا الفعل يستهدف تشويه النضال الفلسطيني واعتبار كل من يحمل أداة حادة حتى للطبخ ارهابياً.
تريد إسرائيل من الفلسطينيين أن يستسلموا لمتطلبات حياتهم التي تعتقد إسرائيل أنها هي فقط من يستطيع تأمينها لهم، وأن تحول السلطة إلى وكيل أمني فقط، وتفقد الناس الثقة بها وتحولها إلى أداة سوداء.
إزاء ذلك فإن الموقف الفلسطيني الرافض للابتزاز والقرصنة الاحتلالية يشكل بدون شك بداية تجد فيها السلطة نفسها فرصة للبدء باستخدام أوراق القوة التي أشارت إليها قرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية.
مقدر الموقف الذي يرفض استلام أي فلس من أموال المقاصة التي هي حق خالص للفلسطينيين، والأرجح أن هذا الموقف قد خضع لحسابات دقيقة، تندرج في سياق تصعيد المواجهة.
ثمة ما يمكن القيام به في مواجهة هذه السياسة، دون العودة للحديث غير المجدي عن المصالحة واستعادة الوحدة، فلقد حان الوقت لشد الأحزمة على البطون، ومطالبة الأشقاء العرب والمجتمع الدولي لتحمل مسؤولياتهم. لا يمكن اللجوء إلى إجراءات من نوع زيادة الضرائب على المواطن المطحون أصلاً، أو استهداف رواتب الموظفين، الذين بالكاد يستطيعون تدبّر شؤون حياتهم. لا بدّ هنا من مخاطبة العرب بلغة مباشرة، وبعيداً عن المجاملات الدبلوماسية، فهم إما مع الحلف الأميركي الإسرائيلي وإما مع الشعب الفلسطيني وقضيته، وبطريقة غير مباشرة إما أنهم ضد مصالح شعوبهم أو أن يهبُّوا للدفاع عن أنفسهم وحقوقهم ومصالح شعوبهم.