بقلم : طلال عوكل
على الرغم من أن الفلسطينيين منشغلون كل الوقت بطبائع العدوان الإسرائيلي ويواجهون بالصبر تارة وبالغضب تارة أخرى جنون المستوطنين، ودهاقنة التطرف والإرهاب، إلاّ انهم لا يفوتون الفرصة لانتظار الفرج من حيث يلتقي ويفترق الأشقاء.
تخشى العيون الشاخصة نحو القاهرة من أن تصاب بالحَوَل، بعد أن أصيبت العقول بالخمول إزاء إمكانية تحقيق المصالحة الفلسطينية بين ضحايا الاحتلال والعدوان، وهم، أيضاً، ضحايا الانقسام. كثيرة ومتكررة خيبات الأمل، التي رافقت تجوال الوفود بين العواصم العربية وعواصم دولية، بحثاً عن حوار يتجاوز حوار الطرشان، وكثيراً ما احتفل الفلسطينيون الغلابة باتفاقيات ظلت معلّقة على جدران الوقت الضائع.
تشتّت عقول المفكرين والمثقفين، والكتّاب، وذوي الاهتمام، فيما يمكن وينبغي عمله، لردم هوّة الانقسام، وذهب بعضهم من واقع اليأس والشطط إلى اقتراحات من نوع "الكونفدرالية"!، أو الدعوة إلى تمرد محبوس، ومحروس جيداً بالأجندات الفئوية وبالحرّاس.
صلّى المصلّون وابتهلوا إلى الله، ولم تنقطع دعواتهم لإصلاح ذات البين، وأطنان من الورق، احتوت آلاف الساعات من الحوارات والمناقشات، والمقالات والتصريحات ولكن لا فائدة حتى الآن.
كل المحاولات لبلورة طرف ثالث يضغط على الطرفين فتح وحماس باءت بالفشل، فلا ما يسمى بالقوى الديمقراطية واليسارية ولا ما هو إطار أوسع، نجح في أن يحرك حجراً، حراكات شبابية، ونشطاء من الجنسين، تحركوا، خرجوا إلى الشوارع في مرات عديدة لكن قوة الشارع الهادرة، إما تسيطر عليها فتح أو حماس أو أن ما تبقّى منها، تفتقر إلى التنظيم، وتخشى البطش.
جيد أن يتوحّد الفلسطينيون دائماً على مواجهة الاحتلال وجرائمه واعتداءاته. لكنها، أيضاً، وحدة محسوبة، وشكلية في كثير من الأحيان واضطرارية في أحيان أخرى، فيما يبقى الاشتباك بين الأشقاء وتبقى وتتجذّر أزمة الثقة، وتزداد المخاوف.
الشعب يئنّ تحت وطأة المخططات الأميركية الإسرائيلية التي تسعى ليل نهار لتجفيف ومصادرة الحقوق الفلسطينية الواحد تلو الآخر، ويجري نهب الأرض، وتكسير الهوية الوطنية، لكن الشعب الذي يستطيع أن يتحمل كل ذلك وأن يدفع الثمن لا يستطيع تحمّل وطأة الانقسام، الذي يمضي في تعذيب المواطن الفلسطيني ويلاحقه على لقمة عيشه، وعلى مقوّمات صموده.
يذكّرنا الوضع الراهن بما تنطق به صفحات التاريخ، ما قبل قيام دولة إسرائيل العام 1948، حين تسببت الخلافات القبائلية وكانت، أيضاً، تحمل مسمّيات حزبية، بالمساهمة في ضياع الأرض والوطن.
التبريرات دائماً حاضرة، وتجلّياتها في هذا الزمان تأخذ طابع التنظير الحداثي، لكن الأمور في الجوهر لا تختلف بالرغم من سطوة الإعلام، التي يتم استخدامها لتسويق بضائع فاسدة.
اليوم ثمة فرصة يقدمها الأشقاء المصريون، الذين لم ييأسوا ويبدو أنهم مستعدون للتفرُّغ من أجل إكمال مهمة إنهاء الانقسام، يفعلون ذلك رغم حاجتهم الماسّة، لاستثمار كل جهد في مواجهة موجات الإرهاب التي لا تتوقف وتستهدف زعزعة الاستقرار وإعادة مصر إلى زمن الفوضى.
ما تسرّب حتى الآن من خلال وسائل الإعلام، وبعيداً عن أي تصريحات رسمية، هو أن مصر قدمت ورقة جديدة تنطوي على مقاربة جديدة لا بدّ أنها تمت بناء على قراءة مدققة، ومستفيدة، من الحوارات السابقة، منذ تشرين الأول العام الماضي.
تذكر التسريبات أن الورقة تتضمن ما يمكن اعتباره خارطة طريق أو خطوات متدرّجة وفق جداول زمنية متقاربة لتحريك عجلة التحول عن هذا الواقع المرير.
الغريب في الأمر أن الحوارات بين حركتي فتح وحماس تتم بطريقة غير مباشرة وعَبر الوسيط المصري. يحصل هذا بين الأشقاء الذين يعلنون صباح مساء التزامهم بما تم الاتفاق عليه وحرصهم على إنجاز المصالحة والعودة سوية إلى طاولة عمل واحدة. كيف يمكن أن يكون هذا الوضع بينما يبدي كل طرف استعداده لمقابلة وإجراء حوار مباشر مع أي دولة أو طرف في هذه الدنيا حتى لو لم يكن من دائرة الأصدقاء أو الحلفاء.
وسط كل هذه التساؤلات الجارحة، لا يمكن ولا ينبغي أن نفقد الأمل فما يجري تسريبه يبشّر بخير. لقد أعلنت حركة حماس علنياً موافقتها على المقاربة المصرية الجديدة، وها نحن ننتظر موقف حركة فتح التي أرسلت وفدها إلى القاهرة يوم أمس.
لا يعني ذلك أن الكرة أصبحت في مرمى حركة فتح، فلقد تكررت، إعلانات الموافقة من حماس على أوراق سابقة. لكن النتائج جاءت مختلفة، وفي كل مرة كانت تعود إلى نقطة الصفر. المهم ألا يتطوع أحد من خارج دائرة القرار، بأن يواصل التحريض وبثّ روح التشاؤم والإحباط.