لصحيفة الشرق الأوسط أدلى الرئيس محمود عباس بتصريح طويل ما يهمنا منه تأكيده أنه لن يعاقب شعبه الموجود في قطاع غزة، وأن إجراءاته غير المسبوقة تستهدف إنهاء الانقسام من خلال الضغط على حركة حماس من لا يعرف عليه أن يعرف اليوم معنى الشرعية، وعوامل امتلاكها، والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه صلاحياتها.
حتى الآن لم يستخدم الرئيس الأوراق التي بحوزته بالكامل، وهو يتقصّد التدرّج في استخدامها لإرغام حركة حماس على التسليم برؤيته ومبادرته لتحقيق المصالحة، وعودة غزة إلى حضن السلطة الوطنية.
ما تم اتخاذه حتى الآن من إجراءات للضغط على حركة حماس، ينطوي على أذى حقيقي، تقابله حماس بالثبات والاستعداد للصمود لأحد عشر عاماً أخرى كما قال أحد قيادييها.
هذا يعني أن حماس مستعدة وقادرة على الصمود، ومثلها ربما بقية الفصائل المعنية وغير المعنية، ولكن السؤال هو أليس هناك فرق بين صمود الفصائل، وصمود الشعب الذي يدفع الثمن؟
هل حاولت السلطة، من خلال أدواتها الكثيرة أن تفحص مدى تأثير إجراءاتها غير المسبوقة، ما مرّ منها وما هو قادم وهو كثير، على الناس وعلى حماس والآخرين؟ الإجراءات حتى الآن تعني تقييد الحرية في الحركة طالما أن معبر رفح مغلق وبغض النظر عن الأسباب، فيما معبر بيت حانون لا يصلح إلاّ لفئة معينة من الناس.
والإجراءات تعني حتى الآن، نقصاً كبيراً في الأدوية، ومحدودية في تحويلات العلاج في الخارج، ما يعني تدنياً شديداً في الخدمات الطبية وهو أمر يمس المواطنين بالدرجة الأولى.
والإجراءات تعني حتى الآن، أن يتقلص جدول التيار الكهربائي إلى أربع ساعات وصل وعشرين ساعة قطع، مع كل ما ينطوي عليه ذلك، من خراب للأجهزة الكهربية، والمواد الغذائية، ومن عدم قدرة على التخفيف من وطأة هذا الموسم الذي تشتد فيه الحرارة.
قدوم السولار من مصر لتشغيل المحطة، بعد أن جرت محاولات لتعطيل تشغيلها حتى بوجود السولار المصري، أعطى للناس أملاً بسيطاً، بإمكانية المحافظة على جدول توزيع الكهرباء بمعدل ست ساعات وصل واثنتي عشرة ساعة قطع، في ضوء تناقص الكمية الواصلة من إسرائيل.
لم يدر في خلد الناس أن السلطة يمكن، أيضاً أن تعطل هذه الإمكانية من خلال منع البنوك من تحويل الأموال اللازمة لشراء الوقود المصري والإجراءات حتى الآن تسببت في كساد واضح في الاقتصاد والأسواق والتجارة، بعد خصم الرواتب الذي يبلغ بين 30 و70% من مرتبات موظفي السلطة والإجراءات حتى الآن تنذر أكثر من ستة آلاف موظف مدني وآلاف الموظفين العسكريين، بتقاعد مبكر، لم يعد هؤلاء واثقين من أن القانون سيترك لهم مرتباً بالقدر الذي يعينهم على حياة كريمة.
وقبل ذلك جرى قطع رواتب موظفين ومحررين، وحالات اجتماعية وكل هؤلاء من الفئات الشعبية المغلوبة على أمرها، أو من نشطاء السياسة والمجتمع، الذين هم الفئة الفاعلة من المجتمع، قد لا يعرف الكثيرون، أن هذه الأجواء، وفي ظل استمرار الانقسام، بدأ الكثير من المانحين، يحجبون الدعم عن منظمات المجتمع المدني، وتوقفوا عن تمويل الكثير من المشاريع.
هذا كله ونحن ما زلنا في بداية الطريق، ولم نبلغ منتصفها، فكيف إذا استمرت الإجراءات غير المسبوقة، واستمر عناد حركة حماس، وعناد كل طرف، وكل بما لديه فرح؟ بصراحة، ثمة إدراك وطني عام، لما يواجه الفلسطينيين من صعوبات هائلة إزاء إمكانية تحصيل حقوقهم الوطنية.
لا أعتقد أن ثمة من يثق بالأميركيين، أما الثقة بإسرائيل فهي معدومة، فيما العرب لا ينتظرون، ورؤاهم لمصالحهم تدفعهم للاستعجال في الهرولة نحو العلاقة بإسرائيل.
في هذا السياق لا يمكن لأحد أن ينكر أثر النضال السياسي والدبلوماسي، الذي كان آخر إنجازاته قرار اليونسكو، الذي ضمّ الخليل إلى قائمة التراث الفلسطيني والإنساني.
غير أن الـ «لكن» اللعينة، تخرج لسانها من جديد، فكل ذلك يندرج في إطار صراع تاريخي مفتوح، لا يمتلك الثقة المطلوبة لتحقيق إنجازات وطنية على مستوى الحقوق والمشروع الوطني. في كل الأحوال لم تعد الأفكار والنصائح والمبادرات، والاقتراحات والصراخ، والشكوى والتحذير يفيد في شيء، أو يحرك لدى أصحاب القرار، قيد أنملة.
الصراع مفتوح ويفرض على الفاعلين السياسيين أن ينتبهوا إلى أهم عنصر وإنجاز كفاحي وهو تعزيز صمود الناس وثباتهم على الأرض التي تشكل جوهر الصراع.
بصراحة لم نعد بحاجة إلى المزيد من النصائح، فقط نحذر من أن الفاعلين السياسيين يتحملون مسؤولية تاريخية إزاء تقويض عوامل صمود الفلسطيني على أرضه، حتى يظل قادراً على إدامة وتشغيل أدوات وآليات الصراع. ولا داعي للتذكير بما تستنتجه استطلاعات الرأي حول موضوع الرغبة في الهجرة، بعد أن غادر الوطن الكثيرون ومنهم كوادر وقيادات في السلطة والفصائل.
الناس تنتظر من المسؤول أن يدلها على كيفية المحافظة على صمودهم، وكيف يمكن للإجراءات والإجراءات المقابلة أن تؤثر فقط على من تستهدفهم هذه الإجراءات، وبحيث لا تمسّ مصالح وحياة الناس بما أنهم أصل البقاء، وأصل الفصائل.