بقلم : طلال عوكل
تعترف الأوساط الإسرائيلية العسكرية والأمنية أن إسرائيل تواجه خطراً من خمس جبهات، هي دون ترتيب الأولويات: سورية، إيران، "حزب الله"، الضفة الغربية وقطاع غزة.
على أن التطبيل الإسرائيلي المستمر بشأن الخطر الإيراني كأولوية، إنما يستهدف التغطية على تصعيدها، القائم والمستمر، على أخطر الجبهات وهما الضفة الغربية والقدس المحتلتان.
التصعيد الإسرائيلي على الجبهات الأخرى محسوب ومنضبط في حدود لا تسمح بتفجير الأوضاع لكنه منفلت تماماً على جبهتي الضفة والقدس.
تدرك إسرائيل أنها يمكن أن تواصل قصفها للمدن السورية بذريعة تدمير قواعد وأسلحة لإيران أو "حزب الله"، دون أن تتلقى الردع القادر على ردها إلى نحرها وأن تتاجر بدماء ومقدّرات السوريين في مزاد المزايدات الانتخابية.
يتبجح نتنياهو، ورئيس الأركان المنصرف بعد أيام قليلة ايزنكوت بأن إسرائيل لم تتوقف عن قصف أهداف إيرانية في سورية، ما يحاول من خلاله تحصين وتحسين أوضاعه الانتخابية على جبهة قطاع غزة، من الواضح أن إسرائيل لم تلتزم بالتفاهمات التي توصل إليها الوفد الأمني المصري، وفيما تحرص الفصائل على ضبط الأوضاع شرق قطاع غزة، في انتظار ما يمكن أن يسفر عنه التدخل المصري مع إسرائيل، فإن الأخيرة لا تزال تتحفظ على السماح بوصول الأموال القطرية إلى غزة، حتى لم يبق من التفاهمات سوى موضوع الكهرباء.
"حماس" والفصائل في وضع صعب، إذ تستمر مسيرات العودة منذ ما يقرب من عشرة أشهر، دون أن تحقق هدف كسر الحصار. فلا هي قادرة على وقف المسيرات، ولا هي قادرة على تحقيق إنجاز فيما يتعلق بالحصار ولا هي، أيضاً، وفق كل الظروف قادرة على تصعيد المواجهة مع الاحتلال إلى الحدّ الذي يهدد بعدوان واسع على القطاع.
وفي ظل هذه الضائقة التي لا يستطيع الوسيط المصري التحكم بها وإلزام الطرفين إسرائيل والفصائل، بما يتم الاتفاق عليه، تبدو ذات أهمية كبيرة حالة التوتر الشديد والمتصاعد بين حركة حماس والسلطة.
في الجولة الأخيرة للوفد الأمني المصري لقطاع غزة، جرى التفاهم حول التهدئة، وحول معبر رفح، ما دعا بعض قيادات "حماس"، لأن يطلقوا تصريحات واعدة بشأن موافقة مصر على فتح المعبر، لكن المعبر لم يفتح، يوم أمس، إلاّ للعالقين.
من الواضح أن تلك التصريحات الواعدة، مرهونة، باستعداد حركة "حماس" لتغيير طريقة تعاملها مع موظفي السلطة الوطنية على المعبر الذين تم سحبهم، وبأمل أن ينجح الوفد المصري في إقناع السلطة بإعادة موظفيها إلى المعبر حتى يفتح وفق الآليات المعمول بها قبل قرار سحبهم. هكذا تدرك "حماس" والفصائل، والمواطن الفلسطيني مدى أهمية المصالحة ومدى تأثير الإجراءات التي تتخذها السلطة للضغط على "حماس"، ذلك أن المعبر لا يمكن أن يفتح بصورة طبيعية، إلاّ بوجود موظفي السلطة وأن مصر، لم تغير من التزامها التعامل مع السلطة الشرعية حتى لو كانت علاقاتها في أفضل حال.
هذا الإدراك ينسحب، أيضاً، على مسألة تمرير أموال الرواتب القطرية، التي لا تجد سبيلاً لحلها طالما أن السلطة غير راضية عن ذلك، وأن إسرائيل تتلاعب بهذا الملف بما يخدم أجندات المتنافسين في الانتخابات.
تنطوي هذه الملفات على مؤشرات لقادم أيام وأسابيع ستعاني خلالها حركة "حماس" من الإجراءات التي تهدد باتخاذها السلطة لكن كل هذا لا يقود إلاّ لمزيد من التخبط السياسي الذي لا معنى أو أثر له.
نتساءل هنا حول جدوى مناقشات كتلة "حماس" حول شرعية الرئيس، وحول الاعتقالات والاستدعاءات بالجملة التي تتم لكوادر وقيادات حركة "فتح"، فضلاً عن الاشتباك الإعلامي الصعب. قبل ذلك، كان على "حماس" أن تدرك، مدى تأثير إجراءات السلطة على قدرتها على الحركة السياسية، فالأرجح أن السلطة قد نجحت في إقناع موسكو بإلغاء أو على الأقل تأجيل زيارة رئيس الحركة الشيخ إسماعيل هنية إلى موسكو التي كانت مقررة وسط هذا الشهر.
إن استمرار العناد والتمسك بالحسابات الخاصة، من شأنه أن يدفع الأمور لاحقاً ومع تزايد حالة الاختناق إلى خيارات خطيرة وصعبة حيث لا يبقى إلاّ خيار التصعيد المكلف مع الاحتلال.
على الجبهة الأشدّ خطورة، وذات الأبعاد الاستراتيجية وهي الضفة الغربية التي لا تخفي إسرائيل مقاصدها وأطماعها فيها، وباعتبار أن معركة القدس قد حققت إسرائيل فيها نجاحاً استراتيجياً بعد القرار الأميركي.
بأسباب ودون أسباب تتعرض مدن وقرى وبلدات الضفة لتكثيف الإجراءات الاحتلالية العدوانية، ويجري التركيز على مدينتي رام الله والبيرة مع حملة تحريض مكثفة على الرئيس والسلطة.
ما تقوم به إسرائيل في هذه الفترة من حملات على الضفة لا يستهدف فقط شراء أصوات المستوطنين الذين يناهز عددهم أربعمائة وخمسين ألفاً، وإنما هو جزء من مخطط لإضعاف السلطة، تمهيداً لمصادرة الجزء الأكبر من الضفة قبل أن تنتقل إسرائيل بمخططاتها لإعلان سيادتها على الجولان المحتل.
تستثمر إسرائيل على نحو واضح، المشاحنات الفلسطينية، والانقسام، واختلاف أشكال وأساليب المواجهة، بين من يتبنى أشكال المقاومة، الشعبية السلمية، ومن يتبنى المقاومة المسلحة، الأوضاع خطيرة، وتنتظر من الفلسطينيين، إدراك مدى أهمية المصالحة واستعادة الوحدة، وبأقصى سرعة، طالما أن الكل بات يعترف بأن إسرائيل لا تفوت دقيقة في العمل على تنفيذ مخططاتها. ويتأكد من ذلك أن كل ما تقوم به هنا وهناك، إنما يستهدف التغطية على ما تقوم به في الضفة الغربية والقدس.