اليوم الرابع عشر من أيار، قبل يوم واحد من ذكرى النكبة، وهو بعض من تداعياتها. سيحتفل الإسرائيليون والأميركان، بافتتاح السفارة الأميركية في القدس، في مخالفة لكل القوانين والأعراف الدولية، وقرارات الأمم المتحدة، التي تعرض الولايات المتحدة دورها للانهيار.
في هذا اليوم واليوم الذي يليه، يتوحد الشعب الفلسطيني في كل مكان يتواجد فيه فلسطيني، ليقدم ذلك، شهادة إضافية على أن بوابات السلام قد تم إغلاقها، وأن الصراع يعود إلى أصوله قبل سبعين عاماً.
سيعرف العالم أجمع أن الشعب الفلسطيني، لا يمكن أن يسلم بالأمر الواقع ولا هو سيخضع لسياسات المحور الأميركي الإسرائيلي الإجرامية، التي تحاول مصادرة حقوق الشعب الفلسطيني الواحد تلو الآخر.
وسيعرف العالم، أن قواه الأساسية، مهما تخاذلت، أو ارتهنت لمصالحها الخاصة، فإنها لا يمكن أن تدفع الشعب الفلسطيني إلى اليأس والإحباط، وأن هذا الشعب مستعد لدفع ثمن حريته مهما بلغت التضحيات، وأن قواه وفصائله مهما بدا عليها الوهن، ومهما اختلفت فإنها كلها لا تستطيع أن تتخلف عن القيام بواجباتها الوطنية.
لن يؤدي اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبناءً عليه تنقل سفارتها إليها، وتحتفل بما تعتقد أنه إنجاز، لن يؤدي ذلك إلى مصادرة القدس، بل انه سيؤدي إلى عزل المحور الأميركي الإسرائيلي على مستوى العالم.
قد تشعر إسرائيل بالنشوة، ولكن هذه النشوة مؤقتة، فهي وحليفتها الولايات المتحدة، الخاسرتان من انهيار منظومة الأمم المتحدة، المسؤولة عن الأمن والسلام الدوليين، فإذا كان الشعب الفلسطيني اليوم هو ضحية الاستهتار بقواعد النظام وأسسه فإن الكثير من الشعوب ستعاني من هذا التصدع.
قبل أيام، ومنذ أسابيع كان حراك مسيرات العودة على الحدود الزائلة بين قطاع غزة وأراضي 1948، هو الذي يتصدر المشهد السياسي والإعلامي، لكن القدس اليوم تعود لتؤكد مكانتها المركزية فتعود لتصبح مركز الحدث، الذي يستقطب اهتمام وسائل الإعلام، والمراكز السياسية الإقليمية والدولية الفاعلة.
اليوم، ينتفض الشعب الفلسطيني بكل قواه، وفي كل أماكن تواجده، ليعلن التحدي التاريخي لسياسات الإقصاء والإحلال، فيخوض بصدوره العارية معركة تخشاها إسرائيل أكثر من مما تخشى استخدام العنف. الخوف من مسيرات العودة، جعل إسرائيل تعتبر يومي الرابع والخامس عشر من أيار، يومي خطر عليها، ولذلك راحت تبحث عن وساطات دولية وعربية، لإطفاء النيران التي تعتمل في صدور الفلسطينيين التوّاقين للحرية والعودة، واستعادة القدس والحقوق.
لم يعد ثمة وقت لأن تنجح إسرائيل في مساعيها لغرض التراجع عن مسيرات العودة، التي تتحضر لاقتحام السياج الحدودي، والاستعداد لدفع الثمن. بصورة مفاجئة يتم الإعلان عن فتح معبر رفح، وتأمين خروج وفد من حركة حماس إلى القاهرة، والأرجح أن الأمر يتعلق بمحاولات تهدئة الوضع، إذ تبدي إسرائيل استعداداً لتقديم بعض التسهيلات مقابل وقف مسيرات العودة.
في الواقع، فإن إسرائيل لا تقدم عرضا يمكن النظر فيه، فالتسهيلات التي تبدي استعدادها لتقديمها، ليست سوى إجراءات ثانوية، يمكن أن تتراجع عنها بسرعة وبسهولة بعد أن تحقق غرضها.
كان يمكن أن يكون العرض قابلاً للنقاش لو أن إسرائيل مستعدة، لرفع حصارها الظالم عن قطاع غزة بالكامل، لكن هذا غير وارد في حسابات إسرائيل.
فضلاً عن ذلك فإن تجربة التفاهمات أو الاتفاقات مع إسرائيل لا تسمح بتوفر عامل الثقة، حتى لو كانت هناك ضمانات، فاتفاق أوسلو يقدم الدليل الأهم، وتقدم اتفاقيات تبادل الأسرى شهادات أخرى على أن إسرائيل لا يمكن أن تكون محل ثقة.
وبالإضافة إلى كل ذلك، فإن حركة حماس التي يجري تداول الأمر معها، ستضع نفسها في محل إدانة صريحة، إذا هي وافقت على أي صفقة من هذا النوع بعد أن تحمّلت المسؤولية عن عملية التحشيد لإنجاح مليونية تبدي الجماهير استعداداً عالياً للانخراط فيها.
لا يمكن أن يتصور أحد أن توافق "حماس" على أي عروض في مثل هذا الوقت القصير، فيما تلتهب الأراضي الفلسطينية وإزاء مناسبات وطنية مهمة جداً.
إذاً، لا يجوز أن يدخل الفلسطينيون في عملية تشكيك متبادلة، أو العودة إلى تبادل الاتهامات إزاء فرضيات غير قابلة للتحقيق، والأهم هو أن يتجند كل الفلسطينيين خلف فعل وسياسة يتوحد فيها الجميع: فصائل، ومنظمات مجتمع مدني، وقيادة وسلطة. ستجرب إسرائيل مرة أخرى مدى صلابة أهل القدس، في المواجهة بعد أن جربت ذلك خلال معركة البوابات الإلكترونية التي خرجوا منها منتصرين.
يتساءل البعض عما إذا كانت ردود الفعل محصورة في الأراضي الفلسطينية ولكنهم سيتفاجؤون بأن القدس قادرة على تحريك العرب والمسلمين وأجزاء كبيرة من المجتمع الدولي.
احتفالهم يتيم، وغضب الفلسطينيين عارم وقادر على تحريك المياه الراكدة، وهو غضب سيفتح على إسرائيل بوابات مواجهة مع شعب متميز وفريد من نوعه كما يقول الكاتب الصحافي الإسرائيلي جدعون ليفي. هي معركة، في سلسلة معارك، تحقق إنجازات قد تكون صغيرة لكنها متراكمة، في سياق صراع طويل، لن ينعم فيه الاحتلال يوماً واحداً بالسلام والأمن.