بقلم : طلال عوكل
يوماً بعد آخر، تثبت الولايات المتحدة أنها العدو الأساسي للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، ولا نريد الدخول في سجال عقيم حول سياساتها ودورها المعادي لكل الشعوب التي تتطلع إلى التقدم والاستقلال والمزاحمة على مصالحها. عندما يصل الأمر بالرئيس دونالد ترامب بأن يصنف الاتحاد الأوروبي، ضمن مجموعة أعداء الولايات المتحدة إلى جانب الصين وروسيا، ويفتح معاركه ضد أقرب حلفائه ما عدا إسرائيل، فإن أمر الحكم على السياسة الأميركية يصبح صحيحاً.
السياسة الأميركية تهزّ بقوة شجرة النظام الاقتصادي العالمي، وبقوة أيضاً، تهزّ شجرة الأمم المتحدة، بكل تراثها الإنساني والقانوني ودورها والتزاماتها تجاه الأمن والسلام الدوليين، ولا يكفّ ترامب عن الإعلان والعمل على مبدأ أنانية المصالحة الأميركية، ورفض شراكات الآخرين، في محاولة لإعادة الاعتبار لمركزية وفردانية الدور الأميركي على الصعيد العالمي، ومقاومة آليات انتقال النظام العالمي إلى نظام التعددية.
في الشرق الأوسط، تعمل الولايات المتحدة ولا تسعى فقط، للإطاحة بمركزية القضية الفلسطينية، وما يترتب للفلسطينيين والعرب من حقوق سواء تقرها الأمم المتحدة، أو تتصل بالحقوق التاريخية، وتحاول الإدارة الأميركية تغيير قواعد السياسة والأمن في هذه المنطقة، وتغيير الأولويات، فتسعى إلى امتصاص خيرات الشعوب، وزجّ الدول إلى صراعات منهكة، الكل فيها خاسر، والرابح الوحيد هو الحلف الأميركي الإسرائيلي. نتمنّى أن يكون وهم السعي الأميركي لإنشاء حلف «ناتو» ـ عربي في المنطقة بذريعة مواجهة الخطر الإيراني والشيعي، ذلك أن إسرائيل ستكون اللاعب الأساسي والفاعل حتى لو أنها لم تكن علنياً جزءاً من هذا الحلف غير المقدس.
وبالرغم من أن المصادر الأميركية تتحدث علناً عن فشل الثنائي، كوشنير وغرينبلات، في إقناع الدول العربية الفاعلة التي زاراها مؤخراً، بدعم صفقة القرن، إلاّ أن الإدارة الأميركية لم تيأس وهي تواصل بوسائل الابتزاز والضغط والتخويف، إنجاح مخططاتها. يحتج العالم كله على الموقف الأميركي من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا»، انطلاقاً من إدراك عميق للأهداف التي ترمي إليها السياسة الأميركية إن كان لجهة شطب الوكالة، وشطب حق الفلسطينيين في العودة، أو كان لجهة تهشيم دور الأمم المتحدة ومنظوماتها القانونية وقراراتها.
هذا يعني أن سياسة تقليص الخدمات من قبل الطواقم المسؤولة في «الأونروا»، والبدء بسياسة فصل الموظفين، ليست سوى فصول من مؤامرة التخلص من هذه المؤسسة الدولية التي أنشئت خصّيصاً، لضمان حق الفلسطينيين في العودة، كشرط لازم للاعتراف بدولة إسرائيل. المسألة إذاً تتجاوز مسألة فصل وطرد وتجويع مئات عائلات الموظفين في الوكالة، سواء كان الأمر يتعلق بألف موظف أم بآلاف الموظفين، ولا حتى بنوع ومستوى الخدمات التي تقدمها «الأونروا» للاجئين، فالمسألة سياسية بامتياز.
في المناطق التي تدير «الأونروا» فيها خدماتها تجاه اللاجئين، لا يعني الكثير، إضافة آلاف الموظفين إلى طوابير العاطلين عن العمل، والفقراء، الذين تتجاوز أعدادهم مئات الآلاف، ويرتبط مصيرهم الإنساني والمعيشي، بما يمكن أن يتوفر من حلول عامة لمعالجة الأزمات الإنسانية التي يعاني منها الفلسطينيون لاجئين وغير لاجئين. لا نهدف بالطبع التقليل من خطورة فصل مئات أو آلاف الموظفين الذين ينبغي النضال من أجل ضمان حقوقهم، ولكننا نقصد أن هذا الملف من ألفه إلى يائه هو ملف وطني فلسطيني شامل ومفصل أساسي من مفاصل النضال من أجل الحقوق الوطنية.
وفيما يرتفع منسوب النضال الشعبي احتجاجاً على قرارات «الأونروا» البدء بفصل مئات الموظفين، وصولاً إلى التخلص من كل هذا العبء كما يعتقد التحالف الأميركي الإسرائيلي، فإن الولايات المتحدة تصعّد من إجراءاتها وقراراتها المعادية للشعب الفلسطيني وحقه في العودة، هذا الحق الذي يشكل جوهر ما يعرف بالقضية الفلسطينية.
المحاولات لم تتوقف من قبل عديد الأطراف الإقليمية والدولية، لتغطية العجز المالي الذي تتذرع إدارة «الأونروا» بأنه السبب في تقليص الخدمات والموظفين، إلى حد تهديد المسيرة التعليمية، لمئات آلاف الطلبة، لكن الولايات المتحدة تعود وتعلن للجميع أن القصة ليست مالية، حتى لو نجحت الجهود في تغطية العجز البالغ مئتين وسبعة عشر مليون دولار من اصل ثمانمئة وأربعين مليون دولار هي موازنة «الأونروا» للعام الجاري.
ثمة مشروع قانوني أميركي، يستهدف إعادة تعريف اللاجئ الفلسطيني، بأنه فقط الذي أرغم على الهجرة عام 1948. هذا التشريع يعني إسقاط تعريف اللاجئ عن الأبناء والأحفاد، ما يعني، أيضاً، أنه بعد عشر سنوات أو عشرين لا يبقى من اللاجئين أكثر من بضع عشرات من المعمّرين. وتلحق الولايات المتحدة ذلك التشريع بالإعلان عن أنها ستتخذ جملة من الإجراءات الجديدة والإضافية، بحق «الأونروا»، وبالتالي بحق العودة. إذاً الولايات المتحدة لا تتستر على سياساتها وهي تواصل حربها على الفلسطينيين أساساً، حتى تجفيف كل وأصغر الحقوق السياسية، وتحيل القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية وحسب.
المصدر : جريدة الأيام