بقلم :طلال عوكل
لم يكد آلاف الفلسطينيين في غزة، يتأكدون من صدقية ورسمية الخبر الذي نقلته وسائل الإعلام بشأن فتح معبر رفح لأربعة أيام، حتى أصيبوا بخيبة أمل، حين عادت الوسائل ذاتها لتبث خبر التراجع عن فتحه لأسباب أمنية. الأسباب التي دعت السلطات المصرية للتراجع عن قرار فتح المعبر، لم تكن ذرائعية، أو من باب رفع العتب، أو حتى لأسباب فنية أو تتعلق بالفلسطينيين. هي ليست المرة الأولى التي تُقدِم فيه، الجماعات الإرهابية الناشطة في سيناء، على عمليات إجرامية بهدف تعطيل فتح المعبر. ومع أن تلك الجماعات لا تتوقف عن ارتكاب جرائمها بحق الجيش المصري ومؤسسات الدولة، إلاّ أن هذه الجماعات تتقصّد القيام بعمليات بشعة وكبيرة في توقيتات تتصل بمعبر رفح، الأمر الذي يعني أنها تستهدف تخريب العلاقات الفلسطينية المصرية، والمساهمة الفعالة في تعميق الأزمات الإنسانية التي تضرب مئات آلاف الفلسطينيين المحتاجين للسفر ذهاباً وإياباً إلى غزة.
آلاف الطلاب، لا يستطيعون الالتحاق بجامعاتهم، وآلاف الحالات المرضية الصعبة، لا يستطيعون الوصول إلى المشافي المصرية، فضلاً عن عشرات آلاف الفلسطينيين الذين تتضرر مصالحهم الاقتصادية أو الاجتماعية بسبب إغلاق المعبر. لا يبرر التوتر في العلاقة بين حماس وهذه الجماعات، بأن تقوم بما تقوم به لضرب مصالح واحتياجات الناس المحاصرين في القطاع. يسقط هذا المبرر تماماً بعد إعلان اتفاق المصالحة في القاهرة، الذي يقضي بعودة غزة إلى حضن الشرعية الفلسطينية، ما يعني أن الهدف يتجاوز الانتقام من حماس التي تحولت إلى عدو لهم، ونحو خدمة الأهداف والمخططات الإسرائيلية والنيل من صمود الفلسطينيين.
في المطالعات الكثيرة، التي تجري في وسائل الإعلام، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ذهب الكثيرون مع قليل من الأدلة إلى أن تنظيم الدولة هو في الأساس، من إنتاج المخابرات الأميركية والإسرائيلية التي تذرّعت بإرهاب تنظيم الدولة لتنفيذ مخططاتها التقسيمية للجغرافيا السياسية في المنطقة، وإعادة صياغتها على أسس طائفية وعرقية ودينية.
لا يرى الناس الله بعيونهم ولكنهم يدركونه بعقولهم، فإذا وضعنا ما يقوم به تنظيم الدولة على المشرحة، فإن العقل يصل إلى نتيجة بأن الأهداف القريبة والبعيدة لهذا التنظيم، الأداة تصب في مصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل. نعم الشعوب العربية تعاني أشد المعاناة، من سياسات الأنظمة العربية المتخلفة والاستبدادية، وهي بحاجة إلى التغيير، ومستعدة لدفع ثمن الانتقال إلى عالم الحداثة والعصرنة. غير أن هذا الميل نحو التحرر الاجتماعي، والحداثة، لا يلتقي البتة بل يتناقض تناقضاً صارخاً مع المضامين السلفية التي تدعي داعش، أنها تحاول تحقيقها. تعرف داعش ومن يقف وراء داعش، بأن هذا الزمان ليس زمان الدولة الدينية.
فلقد تجاوزت حركة التاريخ مكانة الدين في السياسة، والآن المجتمعات التي انتقلت من حقب الظلام والظلم إلى حقب الحداثة والتطور ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه إلاّ بعد فصل الدين عن الدولة، والفصل بين الدين والسياسة. السؤال الذي لا يُحيِّر أحداً، إذا فكر بموضوعية وتجرد هو: لماذا ينجح تنظيم الدولة في تخريب المجتمعات العربية، واختراق الحصون الأمنية لعديد الدول الأوروبية، وغير الأوروبية، ويمتنع عن الاقتراب من إسرائيل؟ لا يكتفي تنظيم الدولة بتخريب سورية والعراق، وليبيا، واليمن، وتونس، ويحاول تخريب دول عربية أخرى في المشرق والمغرب، ولا يحاول القيام بأي عمل ضد إسرائيل أو ضد مصالحها في العالم. لمن لا يعرف فلقد بدأ نشاط داعش يظهر في جنوب شرق آسيا، في الفلبين، والصين، ولكنه لا يقترب من دول مثل السودان. إسرائيل فتحت مشافيها للجرحى من تنظيم الدولة الذين يصابون في سورية، وهو أمر لا تتكتم عليه وسائل الإعلام، ولا يضيرها أن يقترب مقاتلو داعش من الجولان لكنها تبادر بالقصف والاغتيال، لمنع أي قوات تابعة للنظام السوري أو حلفائه من الاقتراب من الجولان؟
النشاطات التخريبية التي يقوم بها تنظيم الدولة في سيناء لإبقاء معبر رفح مغلقاً أمام الفلسطينيين، تؤكد بالملموس مدى الترابط الشديد والتداخل بين الأمن القومي المصري، والأمن القومي الفلسطيني.
ويعني ذلك، أيضاً، أن الفلسطينيين بكافة أطيافهم السياسية معنيون بمقاومة وملاحقة هذا الارهاب. ثمة عدد من الفلسطينيين وأكثرهم من قطاع غزة، قتلوا في صفوف داعش في سورية، وفي مصر، وفي المواجهات الأخيرة في سيناء التي تسببت في إغلاق المعبر كان من بين الضحايا اثنان تم التعرف على هويتيهما من سكان قطاع غزة.
لا شك أن وجود فلسطينيين مهما كان عددهم في صفوف داعش، ويقاتلون خارج الأراضي المحتلة، إنما يشكل ظاهرة تستحق التوقف عندها من قبل الفصائل الفلسطينية، خصوصاً من حركة حماس التي كانت ولا تزال تسيطر على قطاع غزة، وبعض هؤلاء خرجوا من صفوف الحركة. إن الحرب على الارهاب بالنسبة لكل الفلسطينيين هي حرب على من يقف وراء هذه الجماعات الارهابية، وهي تأكيد على عدالة القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال.
استناداً إلى ما تنص عليه الشرائع الدولية لا بد أن يجتهد الفلسطينيون في تمييز كفاحهم العادل ضد الاحتلال ومن أجل نيل حقوقهم وحريتهم عما تقوم به الجماعات الارهابية التي تتستر بالدين لخدمة المخططات الاحتلالية والتقسيمية. وفي ظل المصالحة الفلسطينية التي تلبي المصالح الوطنية العليا الفلسطينية بقدر ما انها تسدد ضربة، للمصالح والاستراتيجيات الإسرائيلية، فإن على كل القوى الفلسطينية أن تتصدى لهذه الظاهرة، في مهدها، ذلك أن إسرائيل ستتعمد تفعيل أدواتها التخريبية، لإفشال المصالحة واستعادة الوحدة.