بقلم :طلال عوكل
على الرغم من كثرة التصريحات الجادة التي تصدر عن مسؤولين كبار من حركتي حماس وفتح بشأن المصالحة، إلاّ أن أزمة الثقة لا تزال قائمة، وهي التي تشكل الأساس لاختلاف الحسابات بشأن خطوات المصالحة.
البعض يرى أن ثمة تباطؤا مقصودا محكوما لمعيار تمكين الحكومة، وهو معيار مطّاط، والبعض الآخر يتذرع بضخامة ملف المصالحة والحاجة إلى الصبر، إلى أن تتمكن الحكومة. الحكومة لم تشكُ حتى الآن من أي عقبة أمام تسلمها مسؤولياتها في القطاع، وقليل العقبات التي ظهرت جرى معالجتها بسرعة، ولا نعتقد أن الحكمة ستواجه عقبات ذات شأن، وما سيظهر منها، ستتم معالجته طالما أن ثمة اتفاقا وجداول زمنية.
الشاكي الأكبر والأهم من تباطؤ إجراءات المصالحة هو الناس في قطاع غزة، الذين لا يرون سبباً لاستمرار الإجراءات التي تم اتخاذها بحق قطاع غزة، حين تم اتخاذ تلك الإجراءات، كان الهدف من ورائها الضغط على حركة حماس، لتسليم الحكم في القطاع، ومع أن تلك الإجراءات أصابت قطاعات واسعة من الناس، بما في ذلك أعضاء حركة فتح من الموظفين إلاّ أن الأمر كان حينذاك قابلاً للنقاش. اليوم لم يعد الأمر قابلاً للنقاش، بما أن حركة حماس، حلت اللجنة الإدارية، ووقعت على اتفاق المصالحة، وتتحدث عن أنها لم تعد طرفاً في الانقسام، ولن تنظر إلى الخلف، حيث باتت هذه الإجراءات عقاباً للناس، أو هكذا يفهم الناس.
المؤلم في الأمر هو أن الاصرار على تأجيل قرار التراجع عن تلك الإجراءات، لن يمر من دون حساب، فالناس ينتظرون صناديق الاقتراع حتى يأخذ كل حسابه على ما يرتكب من أخطاء بحقهم. وللعلم فإن الناس لم يعودوا يتحدثون عن تحسين وصول التيار الكهربائي، وهم لا يقبلون أية ذرائع طالما أن الحكومة باتت هي المسؤولة عن إدارة الشأن العام في قطاع غزة، والتي عليها أن تعيد التيار الكهربائي أربعاً وعشرين ساعة أسوةً بالضفة الغربية.
لن يتفهم الناس، أية ذرائع بشأن محدودية مصادر الطاقة، والحاجة إلى بضع سنوات حتى يتم توفير التيار الكهربائي، ذلك أن المسألة تتعلق بالإدارة وبالقرار السياسي. إذا كانت المصالحة تعني إعادة بناء النظام السياسي على أساس الشراكة، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، فإن ذلك ينبغي أن يوضع على رأس الحسابات بالنسبة لكل الأطراف وليس حركتي فتح وحماس فقط. الفصائل السياسية الأخرى، تحتاج إلى عمل وخطوات ثورية، حتى لا تكرر تجربة الانتخابات السابقة التي لم تتجاوز حصتها فيها عدد أصابع اليد، وإلاّ فما جدوى دعواتها للشراكة والديمقراطية، والتشديد على النسبية في الانتخابات.
إذا جرت الانتخابات فإنها ستفرض معادلات جديدة مختلفة عن المعادلة، التي أملت وجود فصائل في منظمة التحرير الفلسطينية لا تجتاز نسبة الحسم مهما كانت متدنية. بعد أكثر من خمسة عقود على انطلاقة حركة فتح، والثورة الفلسطينية، ينبغي أن تنتهي فصائل، وتظهر أخرى، إذ لم يعد بمقدور حركة فتح أن تحمل على ظهرها، فصائل أخرى، وهي هي بنفسها تحتاج إلى تحضير نفسها جيداً لخوض المنافسة. غريزة البقاء والتواصل، ينبغي أن تدفع الفصائل الأخرى، اليسار وغير اليسار لأن تجد لنفسها الصيغة المناسبة للوحدة، أو الائتلاف، خاصة بعد أن بات الجميع تقريباً على درجة عالية من التوافق السياسي والبرنامجي.
هذا هو زمن المصالحات والوحدة والتغيير، والتاريخ لن يرحم المتخلفين عن الاستفادة من هذه الفرصة، والبقاء عند حدود العصبوية القبلية. في هذا الاطار ثمة نقاش جار بين بعض النخب، لتشكيل تيار وطني عريض، يملأ الفراغ الذي ستتركه الفصائل الأخرى في حال تمسكت بعصبوياتها، وهو لن يكون بعيداً عن منطلقات فتح الأساسية. ثمة حاجة لإدخال الحيوية إلى الحركة السياسية الفلسطينية، عبر تغيير الواجهات والبرامج، والأدوات، حيث لم تعد الشرعية الثورية أو الشرعية التاريخية كافية لضمان الاستمرار. لو كانت هذه الشرعيات فاعلة لكانت حركة حماس حصلت على الشرعية، من دون أن تضطر للعودة إلى المنافسة من داخل المؤسسة الوطنية والنظام السياسي.
ولأن حماس تخلت عن سياساتها السابقة إزاء الشرعية ومنظمة التحرير، وميدان خوض المنافسة على القيادة والقرار، فإن ذلك يرتب على حركة فتح أن تعيد النظر في وحدتها، ودورها وجماهيريتها، فالمنافس هذه المرة يختلف عن المنافسين إبّان الثورة المسلحة، إن تجربة الانتخابات لمجالس الطلبة في الضفة، وتجربة الانتخابات المحلية، لا تبشر بخير لحركة فتح، ناهيك عن أن حركة فتح وهي تتمتع بوحدتها خلال الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2006، لم تحرز الأغلبية في المجلس التشريعي.
نقول ذلك على افتراض أن المصالحة ستصل إلى محطة الانتخابات إذا لم يكن عاجلاً فآجلاً، وحيثما ستعرف حركة فتح مدى أهمية هذه النصيحة التي لم يعد يختلف عليها الكثير من الحريصين على أن تظل حركة فتح، رائدة وقائدة للسفينة الفلسطينية.