طلال عوكل
من المعيب وغير اللائق أن نتحدث عن زيارة يقوم بها رئيس حكومة الوفاق الدكتور رامي الحمد الله لقطاع غزة، ولكنها بالفعل زيارة تستمر لبضع ساعات، ينتقل بعدها إلى مصر حيث ينعقد في الثاني عشر من الجاري مؤتمر دولي لإعمار قطاع غزة.
ثمة وقت إذاً بين موعد زيارة غزة، وعقد اجتماع للحكومة فيها، وبين موعد انعقاد مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة، يحتاج خلاله سكان القطاع إلى تأكيد الأبعاد الإيجابية لهذه الزيارة، وربما كان من الضروري استثمار هذا الوقت، لتفقد الدمار العظيم الذي يصيب القطاع وسكانه، وللتعرف على مدى عمق المآسي والآلام التي خلفها الاحتلال، وتتحمل حكومة الوفاق المسؤولية والصلاحية لمعالجتها.
في كل الأحوال، ليس أمام أهل القطاع، فصائل، وشخصيات، ومواطنين سوى أن يرحبوا بهذه الزيارة على قِصَر مدتها، ومحدودية نتائجها وأن يواصلوا الضغط من أجل ممارسة حقيقية جادة وفاعلة للحكومة على أرض الواقع.
سئم الناس لكثرة خيبات الأمل، إذ كانوا أكثر من مرة على وعد وموعد، بدفع المصالحة، لكن النتائج جاءت، المزيد من خيبات الأمل ولذلك، كان على الحكومة ورئيسها أن تستهدف فعلياً من خلال بعض النشاطات والقرارات الملموسة، إحياء الأمل لدى المواطنين.
غير أن طبيعة ومدة الزيارة، تنطوي على أبعاد رمزية مهمة، إذ انها وانعقاد الاجتماع الوزاري في قطاع غزة، يسجلان خطوة أخرى ملموسة على طريق تحقيق المصالحة، بعد أن تعثّرت لأكثر من ثلاثة أشهر، مضت على تشكيل حكومة الوفاق، ونحو ستة أشهر منذ توقيع اتفاق المصالحة في الشاطئ.
في البعد الرمزي أيضاً، يشكل انعقاد اجتماع الحكومة في قطاع غزة، إنجازاً فلسطينياً، حيث إن ذلك يعني أن السياسة الفلسطينية نجحت في أن تفرض المصالحة على كل من له علاقة، وبخاصة إسرائيل التي أعلنت عند تشكيل الحكومة معارضتها وعدم اعترافها بحكومة الوفاق، واتخذت إجراءات لمنع الحكومة والوزراء من الوصول والتواصل مع قطاع غزة.
على أن نجاح الحكومة في العمل في قطاع غزة، يتطلب ضمانات وتسهيلات حقيقية من قبل حركة حماس أولاً، بما أنها لا تزال الحركة التي تسيطر فعلياً على الأوضاع في القطاع ثم من قبل كافة فصائل العمل الوطني ومن الجمهور الفلسطيني ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي.
هنا لا بد من تسجيل ملاحظة نقدية، إذ من غير المقبول أبداً، أن يحدث تفجير في المركز الثقافي الفرنسي، قبل وصول الحكومة ورئيسها بنحو ثلاثين ساعة. لا ينطوي ذلك على اتهام لحماس أو غير حماس إزاء من ارتكب هذا الفعل المدان، ولكن الحركة، هي المسؤولة عن الأمن، وعليها أن تجد الفاعلين وأن تتخذ بحقهم العقاب المناسب، وأن تفتح أجهزة الأمن والشرطة عيونها حتى لا تقع محاولات تخريب أخرى، خلال فترة زيارة الحكومة ورئيسها. هنا لا عذر لحركة حماس إن أعلنت أنها لم تعد مسؤولة عن الأمن، وان هناك أجهزة ومؤسسات قائمة تأتمر بأمر الحكومة، خصوصاً وأن رئيسها الحمد الله، هو المكلف بوزارة الداخلية.
الكل يعلم أن المؤسسات القائمة الأمنية والمدنية، تتشكل بنسبة عالية جداً، من كوادر وأفراد وأنصار حركة حماس، ولذلك كيفما تدير قرص الاتهام فإنه سيذهب باتجاه أن حماس هي المسؤولة عن الأمن، وعليها أن تؤكد مصداقية التوجيهات التي تحدث عنها الأخ إسماعيل هنية، لضمان استقبال الحكومة ورئيسها بشكل إيجابي، وحسن.
من ناحية أخرى، فإن الاعتداء على المركز الثقافي الفرنسي، ينطوي على رسالة سلبية جداً، إزاء دولة، تبدي استعداداً للاعتراف بالدولة الفلسطينية وتتخذ سياسات ومواقف، ليست كما نشتهي ونأمل، ولكنها متقدمة على مواقف الكثير من الدول الأوروبية. الاعتداء مرفوض مبدئياً، فضلاً عن أنه يأتي في توقيت غير مناسب أبداً، حيث بالإضافة إلى ما ورد آنفاً، فإن فرنسا دولة مشاركة بفعالية في المؤتمر الذي سينعقد في القاهرة بهدف إعادة إعمار قطاع غزة. في الواقع نحن كشعب وأصحاب قضية، نحتاج في هذه الأوقات إلى أعلى درجات الحكمة، والانضباط إزاء خطواتنا، سواء فيما يتعلق بالعلاقة مع المحيط العربي، أو فيما يتعلق بالمجتمع الدولي.
ينبغي أن يتوقع من قام بالاعتداء على المركز الثقافي الفرنسي، أن إسرائيل، ستتخذ من هذا الاعتداء، مادة للتحريض، ولتحذير الدول التي تستعد للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وتأييد مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن الدولي، من أنها قد تتهم بدعم ما يسمى بالإرهاب.
نحن بغنى عن هذه الممارسات، إذ إن إسرائيل تواصل تحريض المجتمع الدولي ضد حركات المقاومة، وعلى رأسها حركة حماس، التي تصفها إسرائيل بأنها داعش، وتحاول تبرير رفضها الاعتراف بالحقوق الفلسطينية بذريعة أن الرئيس محمود عباس اختار السلام مع حماس.
الأكاذيب الإسرائيلية لا تتوقف، والمحاولات الإسرائيلية لاستغلال أية أخطاء فلسطينية، لا تتوقف، خصوصاً وأن إسرائيل تعيش أسوأ أوقاتها حيث تتعرض لإدانة دولية واسعة حتى من حليفتها الولايات المتحدة بسبب سياساتها ومشاريعها الاستيطانية في الضفة، ومخططاتها التهويدية للقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية.