حماية مصر تتجاوز المصريين
آخر تحديث GMT 21:12:46
 فلسطين اليوم -

حماية مصر تتجاوز المصريين ..

 فلسطين اليوم -

حماية مصر تتجاوز المصريين

طلال عوكل

ثمة فرق جوهري كبير بين من يمارس العنف الثوري من اجل الاطاحة بأنظمة ديكتاتورية، استبدادية ظالمة، او من اجل طرد الاحتلال عن ارض الوطن، وبين عنف اسود، لا هدف له، او ان نتائجه بقصد او بدون قصد، تؤدي الى تفتيت المجتمعات والاوطان.
العنف الثوري يستهدف رفع الظلم عن الناس، اغلبية الناس، اطلاق طاقة المجتمع من اجل التقدم، واللحاق بركب التطور الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق دولة المواطنة، والعدالة الاجتماعية، دولة سيادة القانون وصيانة الحقوق، وفتح آفاق المستقبل لتخفيف وطأة الفقر والمرض، والجهل. ان كان هذا هو معيار ثورية العنف في ازمان سابقة مرت على البشرية، ولا يزال صالحا في حالة مثل حالة الشعب الفلسطيني الذي يناضل من اجل حريته، واستقلاله، فإن استخدام العنف ليس بالضرورة هو الوصفة الاكيدة والناجحة في الوصول الى الاهداف، وصيانة الاوطان في تونس وبعدها في مصر، خرجت الملايين الى الشوارع، ونجحت من خلال اشكال العمل السلمي، وبأقل القليل من الدماء، في تغيير انظمة الاستبداد والمحافظة على وحدة البلاد، وردع مخاطر التدخلات الخارجية التي تستهدف تمزيق الوحدات الجيوسياسية العربية الاساسية.
مارست الجماهير في كل من تونس ومصر عنفاً جماعياً، بدون اسلحة فتاكة، وبدون اراقة دماء، وكان من الطبيعي ان تترك عملية التغيير، حالة من الارباك والارتباك، والتناقض وربما الفوضى، خصوصاً وان الامر يتصل برسم طريق المستقبل، الذي قد تختلف عليه القوى المجتمعية والسياسية، بعكس اتفاقها على تقييم الماضي الذي ارادت وسعت من اجل تغييره. واذا كان من المنطقي ايضا التأكيد على ان التغيير نحو الافضل، له ثمن، وضريبة يدفعها الشعب وقواه المخلصة فإنه من غير المنطقي ابداً، ان تدفع الشعوب ضرائب واثمان باهظة من أجل تفتيت الاوطان والمجتمعات، ودفعها نحو المجهول.
لقد اصبحت معروفة للكل في المنطقة العربية، المخططات الاستعمارية التي تعمل تحت عنوان الشرق الاوسط الجديد، لاعادة رسم خارطة الشرق الاوسط وفي قلبها واساسها المنطقة العربية، على غرار اتفاقية سايكس بيكو، في عام ١٩١٦، والتي ادت الى تمزيق المنطقة لتمكين الدول الاستعمارية من الهيمنة عليها. ستظل الفكرة التي ألهمت نابليون بونابرت لمنع قيام دولة قومية عربية، بعد تجربة محمد علي باشا في مصر، من خلال زرع شعب غريب عن اهل المنطقة في فلسطين لفصل الشرق العربي عن مغربه، ستظل هذه الفكرة، في صلب تفكير وسلوك قوى الاستعمار الجديد. في قراءة عامة لما تمر به المنطقة العربية، لا يمكن القفز عن هذه الفرضيات فالسودان انقسم الى اثنين بدون ان ينجو كل منهما باستقرار وأمن، والعراق وليبيا، واليمن، وسورية تتعرض كل دولة منها لمخاطر التقسيم الى دولتين او اكثر، فيما يسود العنف الاسود في طول المنطقة وعرضها. لقد اغتاظت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون من التغيير الشعبي الذي وقع في مصر، في الثلاثين من حزيران العام الماضي، لأنه وبغض النظر عن كل ما يمكن ان يقال سواء في اطار الاعتراض والاحتجاج أم في اطار الدعم والتأييد لما جرى، فإن مصر، دخلت مرحلة استعادة قوتها ودورها، الذي يقف حجر عثرة في طريق نجاح المخططات الاستعمارية.
كانت مصر مرشحة لأن تتعرض لمخططات التمزيق، وتأجيج الصراعات العرقية والمذهبية والطائفية، والاجتماعية، تمهيداً لتفكيكها الى دول تسهل السيطرة والهيمنة عليها، وهو هدف لا يخفى على احد، ان اسرائيل صاحبة مصلحة أكيدة في تحقيقه.
حين تمارس بعض الجماعات العنف والارهاب، في مصر، وبتركيز شديد على سيناء، وتستهدف اركان الدولة العميقة، فإن ذلك يدعو للتفكير في الدوافع والاهداف، من وراء استخدام هذا العنف الاسود.
لقد ارتفع منسوب العنف الاسود، في سيناء يوم الجمعة الماضي، فحصد ثلاثة وثلاثين جندياً، وعشرات الجرحى، ما يشير الى تطور في اشكال وتقنيات العنف والارهاب، التساؤل الذي يقفز الى الذهن بسرعة هو، هل يطمح من يمارس هذا العنف والارهاب في تغيير النظام من سيناء؟ معروف ان الاطاحة بالانظمة، في دول ومجتمعات كبيرة وقوية، يستهدف العاصمة او المدن الكبرى ولكن التغيير لا يمكن ان يكون او يبدأ من صحراء شاسعة كصحراء سيناء. صحيح ان الدولة تمتلك في المدن الكبرى وفي العاصمة خصوصا، اجهزة وامكانيات كبيرة، لحماية النظام والدولة، وبالتالي فإن قدرة الجماعات التي تسعى للتغيير تكون اقل ولكن في حالة مصر، لا يبدو ان هذا العامل هو الذي يفسر التركيز على سيناء، يبدو ان الافكار التي تقود داعش واخواتها، في العراق وسورية، تعمل بقوة في حالة سيناء، التي يفترض من يمارسون العنف والارهاب فيها، انها تشكل قاعدة انطلاق، يتم فيها اعلان الدولة الاسلامية او دولة الخلافة، التي ستتوسع بعد ذلك، في اماكن اخرى.
ان كانت هذه هي الدوافع التي تقف وراء هذا العنف المدان والاسود، الذي ترتكبه الجماعات التكفيرية في سيناء، فإن هذا العنف الحالم بإقامة دولة السلف الصالح، لا يؤدي سوى الى مزيد من العنف والمزيد من اراقة الدماء، والى تفتيت الاوطان وتمزيق المجتمعات، حتى تغدو في متناول الهيمنة الاميركية والاسرائيلية التي ستعيد السيطرة على العالم العربي وثرواته وامكانياته لتحقيق مصالحها الانانية والاستعمارية.
مواجهة هذه المخططات ليست مسؤولية مصر وحدها، ولا هي ايضا مسؤولية الدول العربية، والاحزاب والجماعات، الحريصة على وحدة واستقلال مجتمعاتنا، وتقدمها نحو المستقبل، حركات الاسلام السياسي، التي تنسب نفسها الى الوسطية والاعتدال، عليها ان تبرهن على تمايزها عن هذه الجماعات، سواء من باب تأكيد وطنيتها، أم من باب الدفاع عن الاسلام وصورته الحقيقية، ان كان من يمارس الارهاب باسم الاسلام، لا يعكس حقيقة الاسلام، بل انه لا يكفي ان تتبرأ هذه الجماعات من هذه الظواهر، وانما عليها ان تكافح ضد هذا التطرف ودفاعاً عن نفسها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حماية مصر تتجاوز المصريين حماية مصر تتجاوز المصريين



GMT 11:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 11:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 11:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 11:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 11:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 11:49 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 11:47 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 11:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday