طلال عوكل
ما وقع من تطورات في الوضع الفلسطيني خلال الأسبوع الماضي، ينطوي على أبعاد مهمة، تؤشر على تغيير كبير وربما جذري في الرؤى السياسية، والخيارات، إزاء كيفية التعاطي مع الاحتلال، والحقوق الفلسطينية، وآليات البحث عن سبل تحقيق الحقوق.
حتى الآن لا ينظر المواطن الفلسطيني إلى اتفاق المصالحة الجديد في القاهرة نهاية الأسبوع الماضي، على أنه اتفاق جدي يفتح المجال أمام تزايد الشعور بالأمل في معالجة أزمات وملفات راكمتها سبع سنوات من الانقسام الخطير.
يعود السبب في سلبية المواطن إلى تكرار خيبات الأمل لكثرة الحوارات وكثرة الاتفاقات، التي كانت تفضي في معظم الأحيان إلى نشوب الخلافات من جديد، فيما تزداد المعانيات، وتتضخم الملفات التي ترهق كاهل المواطن الذي عليه أن يضحي وأن يصمد، دون أن يجد اهتماماً مناسباً من قبل المستويات السياسية.
على أن سلبية المواطن، قد تتبدد سريعاً، في ضوء جدية الاتفاق الأخير، الذي تمكن الطرفان "فتح" و"حماس" من خلاله من تقديم إجابات موحدة، وشبه موحدة على الأسئلة الصعبة التي كانت مثار الخلاف الذي عطل اتفاق المصالحة الذي تم توقيعه في الشاطئ في شهر نيسان الماضي. الأصل في هذا التفاؤل، دون حذر، هو أن الطرفين لم يجدا أي خيارات سوى الذهاب إلى المصالحة بعد أن تم إقفال كل السبل أمام إمكانية تبرير، المضي قدماً كل في خياراته الخاصة.
إذا كان الخلاف السياسي بين من يتبنى مشروع وبرنامج المقاومة ومن يتبنى مشروع وبرنامج التسوية عبر المفاوضات. إذا كان هذا الخلاف قد تسبب عن حق، أو كذريعة، في استمرار الانقسام، فإن خطاب الرئيس محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي، قد قدم الغلاف السياسي الذي يمكن أن يجتمع عليه الفلسطينيون.
حركة حماس مسبقاً وقبل إلقاء الرئيس خطابه في الأمم المتحدة عبرت عن تأييدها للتوجه نحو الأمم المتحدة، وكانت تلك إشارة مهمة على طريق تفهم كل طرف لتوجهات الطرف الآخر، خصوصاً وقد سبقها تصريح الدكتور موسى أبو مرزوق الذي أوحى من خلاله، بأن المفاوضات مع إسرائيل لا تدخل ضمن إطار المحرمات السياسية.
خطاب الرئيس، في الأمم المتحدة، جاء متمماً لمناخ المصالحة، حيث إنه وفر الغطاء السياسي الذي يمكن أن يخفف إلى أبعد حد الخلافات، كما يوفر السبب لتخفيف هذه الخلافات، لمن أراد أن يتراجع بالتدريج عن خطابه الأقصوي، في سياق البحث عن برنامج القواسم الوطنية، المشتركة. الخطاب كان أشبه بعملية تقييم جذرية، لعشرين سنة مضت من المفاوضات، ومحاولات البحث عن تحقيق الحقوق الوطنية الفلسطينية عبر آليات الرباعية الدولية، والمفاوضات المباشرة، التي تتحكم الولايات المتحدة حصرياً في ملفها.
يعكس الخطاب إدراك الفلسطينيين لتحول الولايات المتحدة عن التعاطي مع ملف القضية الفلسطينية كأولوية، والذهاب إلى تحشيد المجتمع الدولي تحت عنوان محاربة داعش وأخواتها.
قبل ذلك كانت إسرائيل قد حاولت إقحام الملف النووي الإيراني، كأولوية ولكن تلك المحاولة انتهت حين بدأت المفاوضات بين إيران ودول خمسة زائد واحد.
وفي العام 2001، وبالرغم من أن انتفاضة الأقصى كانت في أوجها، ذهبت الولايات المتحدة، نحو اختلاق عدو اسمه الإرهاب لكي يكون عنوان الاهتمام الأول للمجتمع الدولي.
الولايات المتحدة بدورها يئست من محاولة إغراء حليفتها إسرائيل لجهة إبداء مرونة كافية لتحقيق تسوية مع الفلسطينيين عبر المفاوضات، ولذلك عادت لتؤكد بالممارسة ما دأبت عليه من حماية إسرائيل ودعم مخططاتها السياسية، ولذلك، كانت ردة فعل الإرادة الأميركية سيئة جداً تجاه خطاب الرئيس.
خطاب الرئيس في الأمم المتحدة، يحذر المجتمع الدولي من أن المبادرة الفلسطينية العربية، التي ستتقدم بها فلسطين إلى مجلس الأمن، ستكون الفرصة الأخيرة المتاحة أمام استئناف المفاوضات بحثاً عن تسوية.
يعلم الرئيس، وكل من يتابع الشأن الفلسطيني أن الولايات المتحدة ستقف بالفيتو لتمنع مجلس الأمن من إصدار قرار بتبني المبادرة الفلسطينية العربية، لكن الفيتو لا يشكل الحل الأخير، فثمة أبواب أخرى مفتوحة في المؤسسة الدولية، لمتابعة البحث عن الحقوق الفلسطينية.
الولايات المتحدة تلوح بقطع المساعدات عن السلطة، ما يحمل الفلسطينيين مسؤولية التقشف والبحث عن مصادر أخرى على الأغلب ينبغي أن تكون عربية، حتى لا تضطر السلطة لمقايضة الحقوق بالأموال.
معلوم أن الولايات المتحدة تقاوم التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة، ليس فقط لأن ذلك يلحق أضراراً بإسرائيل وسياستها، ولكن أيضاً يعني سحب الملف من يدها.
خطاب الرئيس، يذهب إلى الاشتباك المفتوح، الذي لا يعني بالضرورة، إعلان الحرب على إسرائيل، ولكنه في حال تطوير مضامينه، والالتزام بما ورد فيه، يشكل نهاية مرحلة وبداية أخرى من الصراع.
المرحلة القادمة من الصراع، تتركز أساساً على تفعيل كل أشكال النضال السياسي والدبلوماسي والقانوني على المستوى الدولي، سواء من خلال مؤسسات الأمم المتحدة، أو الرأي العام الأوروبي والدولي، بالإضافة إلى تفعيل المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية، وتفعيل المقاومة الشعبية.
ربما يستلزم مثل هذا التوجه وفي مراحل متقدمة، تغيير وظيفة السلطة، وتفعيل أشكال الضغط الدولي والإقليمي على الاحتلال الإسرائيلي.