طلال عوكل
مرة أخرى على الفلسطينيين أن يتفقوا، حول الأهداف ذات الأولوية التي تقف وراء دوافع العدوان الإسرائيلي على الضفة ثم على قطاع غزة.
لا يجوز أن يتجاهل احد أن إسرائيل وضعت على رأس أهداف عدوانها تدمير المصالحة الفلسطينية وإسقاط حكومة الوفاق، وإبقاء وتعميق حالة الانقسام.
التمسك بهذا الهدف وإعطاؤه الأولوية، وشن عدوان كبير من اجل تحقيقه بالإضافة إلى أهداف أخرى، ينطوي على أبعاد سياسية مفادها ان إسرائيل لا تزال ترى في الانقسام الفلسطيني ذخراً استراتيجياً حتى لو تطلب منها تحمل بعض الخسائر الناجمة عن قوة المقاومة في غزة.
هذا يعني ان إسرائيل لا تزال تسعى لتحقيق أطماعها التوراتية في الضفة الغربية والقدس، وانه إذا كان للفلسطينيين هوية وكيانية يبحثون عنها فليولوا وجوههم نحو قطاع غزة، في قطاع غزة لا يهم الإسرائيليون ماذا سيفعل الفلسطينيون، وماذا سيقيمون ان كان دولة أم امبراطورية أم إمارة إسلامية.
خلال الأيام الأخيرة، عادت الدوائر الإسرائيلية لتبث دعايات وتسريبات نفتها مصادر مصرية وفلسطينية مسؤولة عن ان مصر مستعدة لتوسيع قطاع غزة في سيناء المصرية.
هذا المخطط الذي طرحه ايغورا ايلاند، يشكل التصور السياسي الاستراتيجي بالنسبة لإسرائيل، وهي لن تكف عن العمل والتآمر من اجل تحقيقه.
إسرائيل ليست في وارد الذهاب الى مفاوضات وتسوية سياسية تؤدي الى قيام دولة فلسطينية حتى على أجزاء كبيرة من الضفة وغزة، وحتى لو كانت هذه الدولة بدون القدس، طالما أنها لن تجد من يرغمها على ذلك، وحتى الآن فشلت كل المحاولات التي راهنت على الولايات المتحدة لأن ترغم إسرائيل على قبول تسوية تؤدي الى قيام دولة فلسطينية، ولذلك لم يكن غريبا أبداً ان ترفض الإدارة الأميركية الهزيلة مبادرة الرئيس محمود عباس، رغم ان هذه المبادرة خالية من الشروط، ولا تضع أمام المفاوضات أي عقبة.
في الواقع فإن رفض الإدارة الأميركية لمبادرة الرئيس عباس، يبدو وكأنه خطوة في اتجاه تراجعها عن دورها في البحث عن ممكنات لدفع عملية السلام، خصوصا بعد ان اتضح عمليا، بأن الفلسطينيين خاضوا لوحدهم المجابهة مع إسرائيل، ودفعوا أثماناً باهظة، كانت كفيلة في ظروف مختلفة لأن تحرك الجماد ولكنها لم تحرك العباد من مسلمين وعرب.
الولايات المتحدة منشغلة بحربين عالميتين، الأولى في منطقة القرم حيث تحشد حلفاءها، وإمكانياتها لقهر الروس، والثانية ضد العدو الدولي الجديد، المسمى "داعش" بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١، اخترعت الولايات المتحدة في عهد بوش الابن، عدواً عالمياً سمته الإرهاب الدولي، وفي هذا العام، وتقريبا في التوقيت ذاته، تعلن العدو الجديد، أي "داعش"، وفي كل مرة، تقوم بحشد حلفائها من اجل تحقيق الانتصار لكنها لا تلبث ان تفشل.
بعد سبتمبر ٢٠٠١، خاضت حربين، الأولى ضد العراق، حيث أطاحت بنظام البعث، وقامت بتدمير العراق، وتمزيقه واحتلاله، والثانية ضد أفغانستان، وفي الحالتين تركت شعوباً منهكة، ممزقة ضعيفة واكتفت بهزيمة، لكنها أبقت على قواعد عسكرية واستخبارية لها في البلدين وبجوارهما.
التساؤل هو، هل تستحق "داعش"، كل هذا الحشد الدولي الذي تقف على رأسه الولايات المتحدة، وهل يتطلب القضاء على "داعش"، خطة تمتد لثلاث سنوات؟ صحيح ان "داعش" ليست مجرد عشرات الآلاف من المقاتلين الأشداء، الذين تملؤهم القناعة بأنهم منتصرون في كل الحالات، فهم إذا استشهدوا كانوا فائزين بالجنة، وإذا انتصروا فإنهم ينتصرون لكتاب الله ورسالته، ولكن الأهم هو البيئات التي انتجت "القاعدة"، ثم "داعش"، والنصرة، والكثير من الأسماء التي تحمل المضامين ذاتها.
الولايات المتحدة ساهمت عن عمد، في استفزاز المسلمين حين وضعت الإسلام هدفاً، ومتهماً، وفي حالتي "القاعدة"، و"داعش" وأخواتها كان لها، أي للولايات المتحدة دور أساسي في الولادة وفي مرحلة الحضانة.
أما السؤال الآخر، فهو لماذا تستثني الولايات المتحدة من تحالفها، كلا من روسيا وإيران وسورية مع أنها تتقاسم مع ايران النفوذ والتأثير في العراق، وفي كل ما يجري فيه؟
يبدو ان الأمر يتخطى "داعش"، التي توسعت في الأراضي العراقية والسورية على نحو سريع، فبالرغم من أهمية مجابهتها، والقضاء عليها، وربما على بعض أخواتها، ألا ان ثمة أهدافا أبعد من ذلك، وتتعلق مرة أخرى بمخطط الشرق الأوسط الجديد، الذي يتطلب تحالفات وتشابكات بين أطراف كانت ترفض ذلك مع إسرائيل، وبما يعيد للأخيرة دور الوكيل النشط للمصالح الأميركية في المنطقة.
على كل حال، إذا كانت إسرائيل تستهدف المصالحة والوحدة الوطنية، وإذا كانت الولايات المتحدة، تريد ان تنفض يدها من محاولات التسوية فإن هذا يرتب على الفلسطينيين مسؤوليات كبيرة تجاه انفسهم وقضيتهم.
أولى هذه المسؤوليات تتصل بضرورة تجاوز قضايا الخلاف التي تحول دون تقدم عملية المصالحة، في هذا الإطار اصبح معلوماً ان حركة فتح شكلت لجنة لإجراء حوار استراتيجي مع حركة حماس التي رحبت بذلك.
هذا جيد، ولكن لماذا نعود الى قصة الحوار الثنائي، وإذا كان مطلوبا من الحوار ان يكون استراتيجيا فلماذا يتم تجاهل الآخرين بما في ذلك الخبرات الوطنية ان كانت مؤسسية او غير ذلك؟، أم ان من يملك ناصية الحكمة والعلم، لا يحتاج الى ناصح، ومستشار، ومساعد؟ ولكن بالرغم من كل ذلك، فلنشرع في هذا الحوار اليوم قبل الغد لأن الوقت يقطر دماً.