حسن البطل
أغارُ على تلال رام الله من هذه الطفرة المعمارية، لولا أن هناك تعادلاً بين الإزاحة الحجرية للغطاء النباتي وحدائق العمارات المشجرة.
قال لي واحد من «الأيام» ان طفرة البناء في رام الله تدخل سباقاً مع طفرة الخليل، وباقي المدن تمشي ولا تهرول.
من سنوات قليلة، وحّدت بلدية رام الله رصيف مركز المدينة، بعد أن كانت كل رقعة شكلا ولونا وملمسا، ثم وحدّت لاحقاً رصيف المدينة القديمة (رام الله التحتا). بقي شيء واحد متنافر «تنظمنا يد الفوضى» هذا في بال شاعرنا، وفي بالي أمور أُخرى شتّى. الدنيا حرّ وحم وشوب هذه الأيام، وفيها أطلب تاكسي من المقهى الى الجريدة، وفي غير أيام موجة حمّ قد تبطح موجة حم صيف 2010، أمشي نصف المسافة لتشغيل دماغي وإملاء عمودي. وكذا لبرودة مكيّف السيارة.
حظي كان بيروتياً، فقد لف ودار الشوفير الى أطراف رام الله، لتوصيلة ثانية، وكان مكيف السيارة معطلاً!
الشاعر الذي قال أن يد الفوضى تنظمنا، قال ان رام الله «مدينة تنمو على عجل، وتكتشف هذا، خصوصاً، في أطراف المدينة، حيث ورشة البناء على قدم وساق.
لكن، كما في مركز المدينة، كذا في أطرافها، كل عمارة قيد البناء لا تشاكل أخرى، سوى أن الشكل يرتدي الحجر الأبيض، وحالياً يعتمر على سطوح العمارات خزانات بيضاء بعد ان كانت سوداء.
في شارع ركب، توجد أربعة او خمسة أنواع وأشكال وألوان من «غَلَق» المحلات. هذا لا تفطن اليه نهاراً، لكن ليلاً تلبس أبواب المحلات، في معظمها، دروع الفرسان القدامى الحديدية والمدرعة.
شوي شوي، بدؤوا في ارتداء «زي صيفي» لأبواب المحلات، بما يترك لك فرصة للإطلال على محتوياتها، خاصة اذا تركوا نوراً خفيفاً شفيفاً، ومن ثم قد تفكر في صباح اليوم التالي بشراء شيء لفت نظرك مع هذا النور الخافت والناعس!
بودي أن أحمل كاميرا وأصوّر نوافذ بيوت قديمة في رام الله التحتا. نوافذ حديدية - فولاذية لا تترك سوى فرجات ضئيلة للهواء، او لنسيم الليل، او لتهوية رطوبة وعفونة البيوت.
الآن، تغّير الحال وصارت نوافذ البيوت واسعة، والغرف مضاءة حتى ساعة متأخرة من الليل.
زار بريطاني مدينة رام الله، وقال لي في لندن انها مدينة. لماذا؟ لأن فيها KFC يعني كنتاكي فرايدتشيكن في مبنى كامل، وليس في حوانيت صغيرة، اذا زار المدينة مرة ثانية سآخذه الى رام الله - التحتا. لماذا؟ لأن مدينة الابنية الحجرية هذه، تشكل مدينة الحجر والبشر والسيارات والشوارع الضيقة، لكن نمط البناء الحجري انقلب.
كانت البيوت تُعطي واجهة حجرية من الحجر الملطش، ونادراً من الحجر الصقيل، بينما تغطى حيطانها الأُخرى بجدران من الحجر النافر «طوبزة».
الآن، صار الأمر معاكساً، لأن مناشر الحجر الآلية تعطيك حجراً مالساً «رخيصاً»، او حجراً ملطشاً، ولا تعطيك حجراً نافراً وسميكا (طوبزة).
المؤسف والناشز ان المغرمين بالديكورات الجديدة يقومون بإكساء جدران من الحجر النافر بغطاء من معدن الألمنيوم القبيح.
لا بأس بأبنية عالية جدرانها من الألمنيوم والزجاج المعتم، لكن هذا الافتئات على هيبة حجر قديم وسميك أمر غير جمالي وغير مقبول، وعلى البلدية ان تضع له حداً، كما وضعت حدوداً لعرض مظلات المحلات على الشوارع.
مهما كبرت رام الله وامتدت وطغت على التلال، فيبدو لي أنها ستظل محرومة من شبكة قطارات للنقل الخفيف، نظراً لتفاوت كبير في ارتفاعات التلال التي أقيمت عليها المدينة، وسيظل نظام النقل العام فيها يتسيّده نظام السيارات 7 + 1 وليس باصات النقل الكبيرة.