حسن البطل
بالأمس مساءً، قال لي قارئ قديم إنه توقف عن شراء «الأيام» ليقرأ عمودي، ورماني بتوصيف رائج، خاصة لدى أعضاء وأنصار الجبهة الشعبية: أنتَ صرتَ «انبطاحياً». وبالأمس صباحاً، عقّب قارئ آخر على عمود الأمس: «هذا كلام قديم».
ظنّي أن الاثنين لا يجدان صدى فيما أكتب عن أزمة اللجنة التنفيذية، وحراك الحركة والمنظمة والرئاسة، نحو عقد جلسة للمجلس الوطني للبحث في مسار جديد لتقرير المصير، ودور المؤتمر الحركي السابع لـ»فتح» بعدها، أو في ضوئها؛ وعلاقة هذا الحراك بمنصب رئيس المنظمة والحركة والسلطة.
هل هذا الحراك، ومؤتمرات البرلمانات الوطنية والحركية سيسفر عن «تشبيب» البرلمان الوطني والحركة الفصائلية الوطنية الأكبر، والقائدة، ودور هذا «التشبيب» في دور الجيل الجديد في رسم مسار جديد لتقرير المصير؟
في أول أزمة اللجنة التنفيذية سمعتُ من كبير فيها قولاً لم يفاجئني، وهو أن هذه اللجنة «وهمية» عملياً؟!
منذ أزمة الانقسام 2007 والحديث كان يتركّز على الاحتكام لانتخابات للبرلمان الشعبي القطري (المجلس التشريعي) والبرلمان الفصائلي (المجلس الوطني) ورئاسة السلطة.
صار أمر هذه الانتخابات محكوما بـ»التوافق» على نسبة القائمة النسبية من قوائم الدوائر، ثم دور «الإطار القيادي» للمنظمة في إجراء انتخابات المجلس الفصائلي القومي، بالانتخاب حيثما أمكن في البلاد، أو بالتوافق حيثما لا تمكّن ظروف دول فلسطينيي الشتات من الانتخاب، أي بالتوافق، وكل فصيل يختار «حصته»! إضافة للمستقلين والكفاءات بالتوافق.
شخصياً، لم أشارك في المؤتمرات الوطنية أو الحركية أو النقابية.. إلاّ في ما أراه مفاصل مهمة، مثل مؤتمر عمّان للمجلس الوطني بعد الخروج من بيروت، والمؤتمر الحركي الخاص في تونس، وهو أول مؤتمر بعد هذا الخروج، ثم المؤتمر السادس، وهو أول مؤتمر في بيت لحم.. وأيضاً، مؤتمر صنعاء للاتحاد العام للصحافيين والكتّاب، بعد انشقاق بعض قياداته، حيث وجه الشاعر محمود درويش نداء للمؤتمرين من مستشفى أمراض القلب في فيينا، ثم مؤتمر الجزائر للاتحاد ذاته، الذي كان مؤتمراً «توحيدياً».
صحيح، أن مؤتمر الجزائر للمجلس الوطني العام 1988 اعتبر من أهم المؤتمرات، لأنه صاحب إعلان استقلال دولة فلسطين، لكنه كان مع ذلك «تحصيل حاصل» للانتفاضة الشعبية العامة الأولى.
الإسرائيليون قرؤوا هذا الإعلان، ووجدوا فيه ما يشبه إعلان بن ـ غوريون إقامة دولة إسرائيل، لكن التشابه، في رأيي، كان مثل الهندسة البلاغية والتاريخية العكسية لإعلان قيام إسرائيل، أي كما تنقل حركة التروس المسننة المتعاكسة في الميكانيك الحركة إلى عكسها: رواية في مقابل رواية!
كل نقاش حول المسار الجديد لتقرير المصير أمر صحي ومقبول، إلاّ في أي تلميح إلى أن النضال الفلسطيني وصل نقطة مسدودة في نفق مغلق، حالنا بعد النكبة وقبل الثورة غير حالنا اليوم على غير صعيد.
بدأ الشعب مقاومته للنكبة بالكفاح المسلح لتحرير فلسطين وقت أن هُزمت الجيوش العربية المعدّة للتحرير، وأثمرت اعترافاً عربياً بمنظمة التحرير، ثم خطاب عرفات في الجمعية العامة 1974: بندقية الثائر وغصن الزيتون. للمقاومة أسماء أخرى غير البندقية.
لم يوفر هذا الكفاح المسلح ممارسة شكل من «الإرهاب» الدولي و»العمليات الخارجية» رداً على العمليات الإسرائيلية.
ليس صحيحاً أن النضال الفلسطيني، الفصائلي والشعبي، وفّر أي شكل من أشكال المقاومة، من الانتفاضتين الشعبية والمسلحة، إلى الحجارة والدهس والطعن، إلى السعي لاعتراف دولي بحق تقرير المصير ثم بالسلطة باعتبارها دولة، إلى ما يسميه الإسرائيليون «الإرهاب الشعبي» و»الإرهاب السياسي والدبلوماسي» الى المفاوضات بالطبع مع الجانب الإسرائيلي، وأيضاً إضراب الجوع.
في محصلة النضال والمقاومة الفلسطينية أنها تركزت الآن في البلاد، وصارت القضية الفلسطينية صخرة على صدر إسرائيل، بدلاً من أن تكون البندقية الفلسطينية على كتف عربي رخوة.
القائد التاريخي للنضال والمقاومة والحركة السياسية الفلسطينية كان يقول: هذا الشعب خير من قياداته السابقة والحالية والمستقبلية.
في هذا الإطار يجب أن ننظر إلى الأزمات كلها، بما فيها أزمات المنظمة والحركة.
هذا الكلام قديم وهو كلام جديد، أيضاً.