حسن البطل
على الصفحة الأولى، من أيام الخميس، صورة تغني عن مقال. سفيرنا لدى فرنسا، هايل الفاهوم، جالساً إلى يمين رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، جان بيار رافان، قبل نقاش اعتراف البرلمان الفرنسي بدولة فلسطين.
هايل الفاهوم، كما عرفته في لقاء العام ١٩٧٨، كان ممثل م.ت.ف لدى "اليونسكو". رجل شهم وأنيق، دبلوماسي لبق، وبالطبع يجيد لغة موليير كأهلها.
بعد قرابة أربعة عقود، صار الشاب هايل "شيخاً" ولعله فكّر، جالساً إلى جانب شيخ مجلس الشيوخ، أن حياة إبراهيم الصوص، ممثل المنظمة بباريس لم تذهب هدراً، ولا جهود سالفته ممثلة السلطة، ليلى شهيد.
لو أن السفير الإسرائيلي بباريس حضر ولم يغب، فإن مكانه على منصة النقاش، وحسب البرتوكول، سيجلس الى يمين الشيخ رافان، والفاهوم الى يساره.
صحيح، أن مملكة السويد هي من وضع علامة المفتاح الموسيقي (الصول) في الاعتراف بدولة فلسطين، لكن برلمانات بريطانيا وإسبانيا وفرنسا (ولاحقاً: بلجيكا وإيطاليا .. حتى الآن) وضعت علامات سياسية، لا موسيقية، على سلم الاعترافات، الذي ستكّر سبحته وتتجاوز العلامات السبع المعروفة في السلم الموسيقي.
أن "تغني" أوروبا الغربية "كورال" على "كونشرتو" الاعترافات، أحسن من أن "تغرّد" السويد وحدها باعترافها الرسمي بدولة فلسطين.
صحيح، أن السويد هي القدوة الرائدة للاعترافات الأوروبية، لكن في الاتحاد الأوروبي ثلاث دول رائدة هي: فرنسا، بريطانيا .. وألمانيا، مثل "سيجة".
هذه الدول الثلاث تعكف على صيغة مسودة قرار يقدم لمجلس الأمن ويدعو لاستئناف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، وانسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية.
السويد وضعت علامة "دو" على سلم الاعتراف، وفرنسا كأنها وضعت علامة "ري"، وبريطانيا علامة "مي" وإسبانيا علامة "فا".
المهم أن فرنسا أقنعت بريطانيا، والدولتان أقنعتا ألمانيا لوضع مسودّة مشروع قرار اوروبي. هذا يعني، ربما، أن "البوندستاغ" الالماني سيصوّت في وقت قريب على الاعتراف بدولة فلسطين.
لا كثير أهمية، إلاّ في التوقيت، لكون اعترافات البرلمانات الاوروبية "غير ملزمة" لحكوماتها، وهناك أهمية لكون المشروع الثلاثي الاوروبي "ملزماً" لباقي دول الاتحاد الأوروبي (٢٨ دولة) وبعضها كانت دولاً اشتراكية واعترفت بالدولة قبل دخولها في عضوية الاتحاد.
الصيغة البرلمانية البريطانية والإسبانية والفرنسية للاعتراف، تقول بالمفاوضات، ومن ثم تحديد أجل لها من عامين، وبعدها (او خلالها!) ستعترف حكوماتها بالدولة الفلسطينية .. في الوقت المناسب.
يبدو ان المشروع الثلاثي الأوروبي، بتأثير من ألمانيا المتحفظة قليلاً. يقول بالمفاوضات، ثم الحل النهائي والانسحاب الإسرائيلي. ما الفرق بين "حلّ نهائي" و"الانسحاب الإسرائيلي" و"دولة فلسطين"؟
إن وتيرة الاعترافات، الرسمية منها (كالسويد) والبرلمانية "غير الملزمة" توالت سريعاً خلال أسابيع، لكن إسرائيل ستذهب الى الانتخابات بعد أربعة شهور (١٠٢ يوم)، وبعدها مخاض عسير لتأليف الحكومة .. ومن ثم، فالانتخابات الإسرائيلية ذريعة لتأجيل المفاوضات.
من شبه المؤكد، ان يجتاز المشروع الثلاثي للدول الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، حاجز الأصوات التسعة، ومن ثم فالولايات المتحدة سوف تمتنع، على الأغلب، عن استخدام حق النقض .. لكن، المشروع الفلسطيني - العربي الذي ستقدمه الأردن لن يجتاز حاجز التسعة، وسيصطدم بجدار "الفيتو" الأميركي.
هل ستؤثر "مسودة" المشروع الأوروبي الثلاثي على صيغة المشروع العربي قبل تقديمه على "ورقة زرقاء" للتصويت، ام سيؤثر المشروع العربي على مسودة المشروع الأوروبي، كما أثّرت ألمانيا على صيغة المشروع الفرنسي؟
على الأرجح، لن يصّوت مجلس الأمن على المشروع او المشروعين قبل بداية العام الجديد، ومن هنا حتى أوائل شهور العام المقبل، ستلحق الاعترافات البرلمانية البلجيكية والإيطالية بباقي الاعترافات.
المهم، أن السويد وضعت مفتاح "الصول" على الاعترافات، ولا بأس ان تغني دول الاتحاد على السلم الموسيقي: دو. ري. مي. فا. صو. لا.. سي، وستكون العلامة الأخيرة هي الاعتراف الأميركي، وربما ليس عن طريق الكونغرس، بل الحكومة الأميركية.