حسن البطل
ليت النضال الوطني كما في الأغنية: "موجتين والتالته تابته/ وتركبي الموجة العفيّه" كما كتب وغنّى أحمد نجم والشيخ إمام. يكفي أن مصر لم تركب بعد "الموجة العفيّه" منذ حرب حزيران 1967 وحتى يومنا هذا!
مركب فلسطين خشن، منذ الشرعية النضالية للثورة، إلى الشرعية السياسية للمنظمة.. والآن، الشرعية القانونية للسلطة والدولة.
لا أعرف، كم قانونياً ضليعاً في لجنة تنسيق وطنية عليا، شكلها بمرسوم، بالأمس، رئيس السلطة الفلسطينية. إنها "لجنة متابعة" بخصوص الاحتكام إلى المحكمة الجنائية الدولية.
منذ أن وقّع أبو مازن، غرّة العام الجديد، وثيقة الانضمام لهذه الجنائية، والمبنيّة على اتفاقية روما، وباشرت العمل قبل 13 سنة، تتابعت، سريعاً، الخطوات المتبادلة، الفلسطينية والإسرائيلية والدولية القانونية.
الفلسطينيون جادُّون، ومثلهم إسرائيل، وكذلك المدعية الرئيسة للمحكمة، فاتو بن سودا، التي فتحت "فحصاً أولياً" في 17 الشهر الماضي.
إسرائيل ردّت على المدعية الرئيسة، بوثيقة "سرية" من ثماني نقاط وزعتها الخارجية الإسرائيلية على بعثاتها، والنقطة الرئيسة هي أن فلسطين ليست دولة حقيقية يحق لها التقاضي الدولي، وهذا ادعاء لم يقبله أمين عام الأمم المتحدة (فلسطين دولة مراقبة بقرار كاسح من الجمعية العامة، رغم "عمايل" خسيسة لأميركا في مجلس الأمن!).
إسرائيل أمسكت بنقطة "تضارب المصالح" في لجنة حقوق الإنسان ـ الأمم المتحدة، واضطر رئيسها الكندي، وليام شاباس، للاستقالة، لأنه كتب، قبل عامين ونصف العام، استشارة قانونية لصالح م.ت.ف حول تداعيات رفع مستوى مكانة السلطة في الأمم المتحدة.
لجنة شاباس تحقق في حرب غزة الثالثة 2014، كما سبق وحقّقت لجنة غولدستون في حرب غزة الثانية 2009. في الحالتين رفضت إسرائيل التعاون معهما، ثم اتهمت غولدستون، الجنوب أفريقي، بأنه منحاز، رغم أنه يهودي.
تدعي إسرائيل أن لجنة حقوق الإنسان تعكس "التسييس" في الجمعية العامة لصالح الجانب الفلسطيني، لكن، لا يمكن اتهام محكمة العدل الدولية ـ لاهاي بذلك، وقد أصدرت فتوى بلا قانونية "الجدار الفاصل"، كما لا يمكن اتهام المحكمة الجنائية الدولية بالانحياز.
استقال شاباس، بعد أن أنجزت اللجنة معظم تقريرها، وحلّت مكانه قاضية أميركية، هي ميري مكغافن في رئاستها، وهي يهودية، وقاضية محكمة عليا متقاعدة، وعلى الأغلب لن تغيّر الكثير في التقرير شبه الناجز.
تدعي إسرائيل أن الفلسطينيين، وبخاصة حركة "حماس" اقترفت جرائم حرب، عندما أطلقت صواريخ على إسرائيل، وشكلت لجنة إسرائيلية حول "تجاوزات" الجيش في الحرب، خلصت إلى أنه لم يقترف، حتى في تنفيذ إجراء "هانيبال" ما يوجب المسؤولية، خلاف تقرير "بتسيلم" وأطباء بلا حدود عن تلك الحرب.
سنعود إلى حكم سابق للمحكمة بخصوص سفينة مرمرة التركية، وقالت فيه إن هناك شبهة بجرائم حرب، لكن القتلى الأتراك كانوا قلائل، بما لا يبرر الاتهام بجرائم إبادة.
أيضاً، صدر حكم آخر حول اتهامات من صربيا وكرواتيا باقتراف جرائم حرب متبادلة تعدّ "تطهيراً عرقياً" ضد المدنيين، لم يُلق بمسؤولية جنائية على أحد الطرفين.
في الحرب الثالثة على غزة سقط 70 إسرائيلياً بينهم ثلاثة مدنيين فقط بصواريخ من غزة، والباقي كانوا جنوداً، لكن سقط أكثر من 2000 فلسطيني.
أكثر من 70% منهم مدنيون (أطفال ونساء وعجائز) هناك فارق في جرائم حرب أهلية، أو حرب بين الدول... وجرائم الاحتلال.
إسرائيل التي يحق لها "الدفاع عن نفسها" كما تقول هي والولايات المتحدة، ردت بشكل غير متناسب، وأوقعت ضحايا وخراباً غير متناسبين مع ما ألحقته صواريخ "حماس" من قتلى مدنيين وخراب بسيط.
من الواضح أن إسرائيل تخشى أن يكون التحقيق في جرائم حرب ضد غزة، مقدمة لدعوى قضائية فلسطينية أكثر تماسكاً، وهي جريمة نقل سكانها إلى الضفة الغربية، خلافاً للقوانين الدولية، باعتبار الاستيطان غير شرعي.
بينما تستعين فلسطين بخبراء مرموقين في القانون الجنائي الدولي، مثل غولدستون وشاباس، فإن إسرائيل تلجأ إلى وسائل وذرائع سياسية وأمنية، وليس إلى خبراء إسرائيليين ودوليين في القانون الجنائي.
يقول بروفيسور يورام شاحر، مدرس القانون الجنائي في إسرائيل، إن القانونيين اليهود هم الذين وضعوا أسس المحكمة الجنائية الدولية، وكذا النظام القضائي الدولي المعاصر.. والآن، هم الطرف المدافع، بينما فلسطين الطرف المبادر.
يستند شاحر إلى أن إسرائيل لا تحتاج لاقتراف جرائم حرب لأنها الطرف القوي، والفلسطينيون يحتاجون لجرائم حرب لأنهم الطرف الضعيف، وكل ما على إسرائيل هو مواءمة حروبها مع قوانين الحرب الدولية.
يمكن القول إن الفلسطينيين ركبوا "المركب الخشن" سواء في مرحلة الثورة والشرعية النضالية، أم في مرحلة المنظمة والشرعية السياسية .. والآن، في مرحلة إعلان الدولة والشرعية القانونية والقضائية.
إسرائيل تخسر بالنقاط. واجه الفلسطينيون القوة الإسرائيلية المتفوقة.. والآن يواجهون ما يسمّى "الدهاء اليهودي" في القانون، والغباء الإسرائيلي في السياسة.