كتاب المراثي مات متسربلاً بالضوء الفدائي
آخر تحديث GMT 12:38:00
 فلسطين اليوم -

كتاب المراثي مات متسربلاً بالضوء الفدائي

 فلسطين اليوم -

كتاب المراثي مات متسربلاً بالضوء الفدائي

حسن البطل

أبو علي الجعبة، ليس نصاً وليس صورة.. لكنني، إذ التقيه هكذا.. مرات مبعثرة في مساءات حميمة لا تُنسى، أقرأه نصاً ناصعاً في نور النهار الطبيعي الواضح.
أعرفه ـ لا أعرفه؛ يعرفني ـ لا يعرفني، غير أن هذا القادم إلى الغروب من وهج انفجار الخلايا الفدائية الأولى، يذكّرني بصور واقعية ـ مستعادة، بفضل عيون "المرصد هابل"، عن ضوء الشظايا الأولى لخليقة الكون.
الكون الذي تشكل لا يزال يتشكل، والحركة الفدائية التي تشكلت لا تزال تتشكل.. غير أن معظم الفدائيين الأوائل من جيل أبو علي، الذين تشكلوا، مع انفجار الربيع الفدائي، توقفوا عن إعادة التشكل.
أبو علي الجعبة استثناء ما. لم يتوقف عن التشكل. بقي يرى الأفق الغربي واضحاً في ضوء الشروق الفدائي. الرجل الكهل ليس نصاً وليس صورة، لكن أبو علي ـ الجعبة ظل حالة خاصة: عندما وصل الصعود الفدائي إلى ذروة ألقه صعد معه.. وعندما بدأ هذا الصعود امتحان الوضوح السياسي.. انسحب أبو علي من القواعد الفدائية إلى غبار السجال السياسي.
لا أستطيع أن أكتب أبو علي الجعبة لزوجته، ولا لأم ولديه، ولا لإخوانه الكثر، ولا، خاصة، لـ "عموم آل الجعبة في الوطن والخارج"، لكنني أكتبه لنفسي، أو لجيلي، أو لمن تبقى من رفاقه. كان يذوي.. وكان يستحضر وهج الفدائيين الأوائل.
إنه لا ينسى الرفاق الأوائل، ولا هم ينسونه، ولا أنا أنساهم، لأنهم خريجو "بوتقة المرحلة". مرحلة البدايات الفدائية الأولى. بعض من بقي من رفاقه صاروا يؤرخون لتلك البدايات، ولمساراتها المتشعبة. لقد نضجوا. هل أنضج أو أذوي؟ لا أعرف.
هو كان مأخوذاً بالضوء الفدائي الأول، أو بالشباب الذين احترقوا فيه، أو بالفدائيين الطيبين الشجعان الذين ابتعدوا أو أبعدوا إلى الظلال، بل إلى النسيان. هو لا ينساهم. طوبى لمن سقط منهم مثل نيزك متوهج.
في المساءات المبعثرة، قبل أن يبدأ اختلال الخلايا في جسمه، كان يبدو لي ناصعاً، كأنه جزء من ضوء النهار الطبيعي.. لكن، آخر مرة رأيته في ضوء النهار الطبيعي، بدا لي مثل صورة في مرآة يجللها بخار كثيف. دخل مرحلة الغياب.
أطلت هنرييت عليّ في مكتبي. خرجتُ معها. لا طاقة له على فك حزام الأمان في سيارة واقفة. هذه أول مرة وآخر مرة نتعانق فيها.. عناقاً رقيقاً رفيقاً يلائم جسداً نحيلاً، ذاوياً هشاً.
في يده دفتر "نوطات" صغير ومسطر. صفحة صغيرة مقسومة نصفين: النصف لأخيار الفدائيين الأوائل، والنصف الآخر لأشرار قادة الفصائل. كانت هذه "قائمة أبو علي" التي يشتغل عليها، بالعربية، بعد أن اشتغل عليها بالفرنسية.
إنه رفيق أخي، ورفيق رفاقه الأوائل، وأخي في "قائمة الأخيار"، والقائمة تحتاج تاريخ الميلاد باليوم والشهر، وأنا أجهل اليوم والشهر وأتذكر العام، ويوم وشهر وعام سقوطه. فقط في نعي أبو علي ـ الجعبة عرفت الاسم الرباعي الكامل: حسن محمد عاشور الجعبة.
أعطيته ما كتبته في عمود عن "أبو مشهور". قلت: ماذا سيضيف الأخ من معرفة إلى معرفة رفيق القتال الأول؟ لست أدري. ماذا تضيف معرفة عائلة أبو علي الجعبة له لمعرفة رفاقه الأوائل؟ لست أدري.
تحيرني، عميقاً، عقليات وروحانيات وسلوكيات الذين يصلون حافة الهزيمة في صراعهم مع مرض السرطان. في احتضارهم يتألقون في استحضار التجارب الأولى. الرجال الأوائل. الأفكار الأولى. البدايات الأولى. بقي القليل من جيل أبو علي.
نحن بقايا جيل أبو علي الفدائي تأخذنا رؤية الأفق الشرقي في الشروق، والأفق الغربي في الغروب. كيف انمسخت الفكرة النقية في قواعد الفدائيين إلى مؤسسات فاسدة.
هو كان مأخوذا برؤية الأفق الغربي في ضوء الشروق، ورؤية عروق الفساد في معادن الرجال. رجال أخيار بررة لأفكار خيرة. ورجال أشرار لأفكار شريرة ومؤسسات فاسدة.
أحسّ أبو علي ـ الجعبة أنني لا أوافقه الرأي تماماً على قائمته. لا بأس، فهناك قلة من أحياء ذلك الجيل توافقني الرأي على ما أكتب في المرحلة وعن المرحلة.
رأيته وكان مسكوناً بالسكينة، وكنت في حضرته الأخيرة مسكوناً بتململ الشكوك القديمة. بعد كل هذا العمر وهذه التجربة مات أبو علي نقياً، متسربلاً بالضوء الفدائي الطبيعي في نهار طبيعي. غطّ في حلم أبيض عميق. مات.
لا أعرف لماذا أتذكر ما قاله الشقي الجميل مايا كوفسكي: سآتيكم في الغد الشيوعي البعيد!.
..وهل يلاقينا أبو علي ـ الجعبة .. في الغد الفلسطيني البعيد؟!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كتاب المراثي مات متسربلاً بالضوء الفدائي كتاب المراثي مات متسربلاً بالضوء الفدائي



GMT 10:32 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 10:30 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

مسرح القيامة

GMT 10:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لماذا توثيق «الصحوة» ضرورة وليس ترَفاً!؟

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 10:15 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ذكرى شهداء الروضة!

GMT 10:12 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الشريك المخالف

GMT 10:08 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ظالم ومظلوم

GMT 10:05 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد رحيم.. يرسم ملامح المطرب بالنغمة والإيقاع!

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 17:36 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 10:19 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحداث المشجعة تدفعك إلى الأمام وتنسيك الماضي

GMT 16:13 2014 الأربعاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتورة أميرة الهندي تؤكد استحواذ إسرائيل على ثلث المرضى

GMT 22:32 2016 الثلاثاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

عروض فنية للأطفال في افتتاح مسرح "متروبول"

GMT 06:02 2019 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تألق سويفت ولارسون وكلارك وصلاح في حفل "تايم"

GMT 14:01 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 09:04 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

سكارليت جوهانسون تُوضِّح أنّ وقف تقنية "deepfake" قضية خاسرة
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday