حسن البطل
سأقولها «لقفته» بدلاً من ضبطُّه أو أمسكت به، واحد من السيبويين، حراس اللغة، يعيد تشكيل كلمات ديوان شاعر كبير، فيضع علامة الشدّة (أو في الحقيقة حرف مضمر) على حروف، ويضع الهمزة في مكانها تحت الكلمة أو فوقها.
لكننا تبادلنا الكلام بالعربية المبسطة العامية، ومنها قوله أن أغلاطي اللغوية في أعمدتي لا تتعدى الـ ١٪ .. شو بعرفني؟
ملصق (بوستر) على زجاج نافذة المقهى يقول: «يلّلا ع الحديقة» وليس «هيّا إلى الحديقة» ففي الأخيرة رائحة صيحة الذهاب إلى الوغى والميدان، وليس إلى حديقة يلهو بها الأطفال.
كنتُ كتبت وانتقدت شيوع الحرف اللاتيني والأسماء الأعجمية لمحلات ودكاكين ومقاهي البلد .. لكن «العامية» شأن آخر.
روى لي صديقي التونسي، الشاعر محمد علي اليوسفي، طُرفة. إنه خريج جامعة دمشق - اللغة العربية، ومترجم ضليع من الفرنسية (لغة موّلير) إلى لغة الضاد، وشكرني على نحت مفردة «تباري» ترجمة لكلمة بالفرنسية؟!
قال بالفرنسية في حانوت باريسي للكتب والصحف كما هي الأصول: لا أعرف Je ne sais pas، فعرف أنهم ينطقونها «ما بعرف - بعرفش» che pas.
أقرأ، أحياناً، في نشرة الترجمات الصحافية من العبرية الى العربية نقلاً من الأولى للثانية للأمثال والحكم العربية، بالفصحى وبالعامية، ولا أعرف هل يكتبونها بالأبجدية العبرية كما هي في الأبجدية العربية (جاء في «اسرائيل اليوم» هذا المثل: الحكي إلك يا جارة واسمعي يا كنّه.
كان في مدرستي الثانوية بدمشق طلاب من الجزائر وتونس، وكانت حجتهم أن العربية قاصرة عن التعبير السليم والدقيق لمفردات في العلوم والتكنولوجيا!
لكن صديقا لي كان في هيئة تحرير مجلة علمية عربية وقت صدورها في قبرص (توقفّت لاحقاً)، وتوزيعها في المغرب العربي كان هو الأكثر انتشاراً.
في نقاش معه، لاحظت أن العربية ناجحة في تعريب مفردات الأسلحة والعتاد، فأعلمني أن الفضل في ذلك يعود الى حقبة محمد علي باشا، وليس إلى مجامع اللغة العربية، صاحبة النكتة عن تعريب مفردة «ساندويش» الى «شاطر ومشطور وكامخ بينهما» .. قولها شطيرة والسلام!
يقول صديقي أن للعربية منطقا داخليا لأنها مبنية على حوالي ألف جذر، معظمها ثلاثي، تشتق منه الفروع والكلمات التي يصل عددها الى نحو ربع او نصف مليون كلمة بين قديمة وحديثة!
هو يرى - كما أرى - ان تطويراً مستمراً للغة العربية لا يتم عن طريق الفقهاء المتحجرين في مجامع العربية، لكن عن طريق استخدامها ونحتها واشتقاقها من جانب الأدباء والصحافيين بشكل خلاق في العلوم والفنون.
الإنكليزية هي لغة العالم، سواء شكسبيرية، او Bad English لكن فيها نحو ٣٠٠٠ كلمة عربية الأصل، وفي الإسبانية نحو ١٨ الف كلمة عربية الأصل مطواعية الاشتقاق بالعربية مكّنتها من اعتماد آلاف من الكلمات الجديدة، مثل حاسوب (حوسبة محوسب) وسابقاً كانوا يترجمونها «دماغ آلي» و«زملحة» بدلاً من «إزالة ملوحة ماء البحر» أو «تحليتها» غير الدقيقة، وأيضاً «رجع» مقابل Feedback بدل «التغذية المرتدة» .. وبالذات «رئيسي» عوض «رئيس» و«تقييم» مقابل «تقويم».
الخلاصة: توصلت شعوب متقدمة إلى أن تعلم العلوم بلغة الأم هو أفضل طريقة لفهم العلوم واللغة معاً، رغم ان لغات بعضها فقيرة في المفردات كما حال اللغات الاسكندينافية والشرق آسيوية.
هناك نموذج ساطع، وهو أن خريجي كليات الطبّ بالعربية في سورية يتفوقون في شهادات الدكتوراه على زملائهم العرب من خريجي كليات طبّ تستخدم الإنكليزية أو سواها.
الآن يلفظونها «مسِج» بدلاً من «مرسال» الأدق، و«ستاتوس» بدلا من «حال» و«إكسترا» بدلاً من عال - العال .. وقس على ذلك، مثل «العمر الافتراضي» للآلات بدلاً من «عمر الكلال».
يا دمشق
حزّ في قلبي ما قرأت عن تصنيف دمشق في ذيل ١٤٠ مدينة من حيث نوعية الحياة، حيث حلّت ملبورن الأسترالية في الطليعة ودمشق في آخر الذيل.
إنها الحرب وخرابها وويلاتها، التي جعلت أقدم عواصم الأرض في ذيل مدن الأرض.
يا دمشق الفيحاء .. سلاماً.