من بين مبادئ «زوتشه» الخمسة، المنسوبة إلى «كيم» الكبير، الجدّ كيم إيل سونغ، أتذكر مبدأين: «الاعتماد على الذات»، والوحدة القومية الكورية.
الكوريتان قصة، والألمانيتان قصة، والفيتناميتان قصة، والقصص الثلاث من مخلفات الحرب العالمية الثانية.. و»الحرب الباردة».
تم توحيد شطري فيتنام بالقوة، وابتلعت فيتنام الشمالية شطرها الجنوبي منتصف سبعينيات القرن المنصرم. هذه قصة ملحمة حرب شعبية باهرة هزم فيها الجنرال جياب، تحت قيادة «لحية الماعز» للرئيس هوشي منّه، الجنرال ويستمور لاند.
تم توحيد الألمانيتين، مطلع العقد الأخير من القرن المنصرم، وابتلعت ألمانيا الغربية الرأسمالية ألمانيا الشرقية الشيوعية .. دون طلقة واحدة. انهار جدار برلين، لكن سقوطه بدأ مع سياسة المستشار الاشتراكي الألماني الغربي، فيلي براندت، المسماة «السياسة الشرقية ـ أوست بوليتك» أي الانفتاح على الشطر الشرقي الألماني والكتلة الاشتراكية.
قصة انقسام شبه الجزيرة الكورية إلى كوريتين، بدأت مطلع عقد خمسينيات القرن المنصرم، نتيجة حرب السنوات الثلاث 1951 ـ 1953، ويفصل بينهما الآن خط العرض الجغرافي الوهمي طبعاً 38.
مطلع ستينيات القرن المنصرم، كان المستبد نغوين دييم يحكم سيؤول، وكانت كوريا الجنوبية متخلفة اقتصادياً حتى أكثر من السودان. الآن صارت قوة اقتصادية كبيرة في آسيا، بحماية 30 ألف جندي أميركي.
مع كيم الأول، صاحب مبادئ زوتشه، بدأت سلالة كيم (كل خمسة كوريين يحملون اسم كيم)، ومع كيم الثالث الحالي صارت بيونغ يانغ قوة نووية، بالاعتماد على الذات، رغم العقوبات الأميركية ـ الدولية. يقولون عن سلالة كيم «الزعيم المحبوب للشعب الكوري»!
الآن، مفاجأة سياسية ثالثة، بعد مفاجأة نيكسون بالانفتاح على الصين، التي لا تتخلى عن تطلعها لوحدة البلاد، واستعادة جزيرة فرموزا سلماً، بعد أن أصبحت الصين القوة الاقتصادية العالمية الثانية خلف أميركا، والعضو الدائم في مجلس الأمن، تحت شعار «صين واحدة».
المفاجأة الثانية هي «انفتاح» أميركي (في حكم باراك أوباما) محدود على جزيرة السكر والسيجار كوبا الأسطورية الصمود، ولعلّ أميركا تنتظر موت راؤول كاسترو لتطوي صفحة فيديل وغيفارا الأسطورية.
فيتنام الأسطورية مشغولة ـ بعد نصرها ووحدتها القومية ـ باللحاق بالمعجزة الاقتصادية اليابانية، والمعجزة الكورية الجنوبية، بينما تتطلع بلاد كيم الشمالية ـ النووية لتحقيق حلم كوريا واحدة، وتشاركها كوريا التكنولوجية المزدهرة هذا التطلع، لكن من يبتلع من؟ هل بلاد التكنولوجيا المزدهرة، أم بلاد الصواريخ والقنابل النووية؟
بعد الحرب الكورية، قال الجنرال الأميركي ماك آرثر، المنتصر على بلاد الكاميكاز اليابانية إلى ولده: «إياك أن تخوض حرباً برية في آسيا».
انتهت الحروب البرية الحدودية في آسيا، بعد أن صارت الصين والهند والباكستان قوة نووية.. الآن، بعدما صارت بيونغ يانغ قوة نووية، انتهى حلم التهام الجنوب التكنولوجي للشمال النووي.
لكن حلم الوحدة الكورية ينتظر ماذا سيسفر عن قمة كيم النووي الثالث مع الرئيس المتقلب الأميركي دونالد ترامب الذي وصف كيم الثالث «رجل الصاروخ» فردّ عليه بأن أميركا يحكمها رئيس «أحمق».
هل فوجئ، حقاً، وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون بالإعلان عن قمة ترامب ـ كيم الثالث؟ علماً أنه من أنصار الحوار مع بيونغ يانغ، ونال «تغريدة» تسخيف من ترامب، الذي لم يقيله مع ذلك، خلاف ما يفعل مع سواه من كبار مساعديه.
قبل الإعلان عن قمة ترامب ـ كيم، زار وفد كوري جنوبي كوريا الشمالية، التي أرسلت وفداً إلى الألعاب الأولمبية الشتوية في سيؤول، وسبقها قمة ثالثة بين الكوريتين مقررة في نيسان المقبل، قد تسبق أو تلي قمة ترامب ـ كيم.
كيم الثالث مستعد لوقف تطوير قوته الصاروخية وتجميد تجاربه النووية، مقابل رفع العقوبات الدولية عن بلاده، بما يذكّر باتفاقية فيينا بين إيران والدول الخمس + ألمانيا، التي يريد ترامب، بدفع من إسرائيل، التنصل منها، أو تعديلها، وهو ما لا توافق عليه الدول الشريكة في اتفاقية فيينا.. وإيران بالطبع!
برهن كيم الثالث النووي أنه ليس «مجنوناً» بعرضه قمة مع الرئيس الأميركي؛ وبرهن ترامب أنه ليس «أحمق» تماماً في عقد «صفقة» صغيرة: رفع العقوبات مقابل تجميد القوة الصاروخية النووية!
الألمانيتان توحّدتا سلماً، والفيتناميتان توحّدتا حرباً، لكن أصعب الصراعات هو تمرير «صفقة» بين إسرائيل وفلسطين.
هذا احتلال تلتهم فيه إسرائيل ما تبقّى من فلسطين. ترامب، مثل سابقيه، زار إسرائيل وفلسطين، وهو ينوي زيارة إسرائيل في أيار المقبل، ويهدّد بعقوبات على فلسطين إن رفضت «الصفقة».
السؤال: ماذا لو عرض ترامب أن «يعرّج» على فلسطين بعد زيارة القدس وافتتاح سفارة لبلاده فيها؟
حسب غرينبلات، يبدو أن «الصفقة» ستبدأ بانتشال غزة من الكارثة الاقتصادية فيها بمشاريع دولية تشرف عليها أميركا.. ومن ثم محاولة ترويض رفض السلطة الوطنية الفلسطينية.
المصدر : جريدة الأيام