لمّا تنازع بوش الابن مع نائب الرئيس غور على مئات الأصوات في إحدى الولايات، وتطلّب الأمر فرزاً جديداً للأصوات، عقّب الرئيس بيل كلينتون مازحاً: ما رأيكم أن أستمر في الرئاسة لولاية ثالثة؟
فاز بوش الابن بولاية أولى، آنذاك، بفارق مئات الاصوات؛ وفاز بولاية ثانية على أجنحة «عاصفة الصحراء»، أو ما دعي أميركياً: عاصفة الجنرال نورمان شوارزكوف ضد العراق.
احتفل بوش الثاني بنصره بعرض عسكري على الطريقة الفرنسية، ويفكّر الرئيس الحالي، ترامب، بعرض عسكري خريف هذا العام، لانتصاره على «الإرهاب» و»داعش». ترامب رئيس «غير شكل» ومن ثم أعلن بعد أقل من عام ونصف على رئاسته أنه ينوي الترشح لولاية ثانية، بل واختار رئيساً لحملته وشعاراً لها، مستبقاً نتائج الانتخابات النصفية لكونغرس خريف هذا العام.
كان الرئيس ريغان «غير شكل» من حيث طرافته أيضاً، وسئل: لماذا لا يعقد قمة مع الرئيس السوفياتي، فقال: إنهم يموتون بسرعة، معقباً على وفاة سريعة للرئيسين المريضين يوري أندروبوف وقسطنطين تشيرننكو على التوالي.
في زمن مضى، وضع أحد المؤلفين كتاباً عنوانه: «هؤلاء المرضى الذين يحكمون العالم» عن «عواجيز» كانوا يحكمون دولار كبيرة في العالم. الآن، لا يحكم عجوز مريض دولة كبيرة، لكن حال الديمقراطية فيها تبدو عليلة!
إذا فاز ترامب العجيب بولاية ثانية، فإن بوتين سيفوز بولاية رابعة، دون منافس جدّي، وهو يتمتع بصحة جيدة مع «زنّار أسود» أيضاً، بينما جدّد الحزب الشيوعي الصيني انتخاب الرئيس شي جين بينغ إلى أمد الحياة، وهكذا سيحكم روسيا والصين زعيمان أصغر من «العجوز» ترامب، الذي لن يحظى بأكثر من ولايتين حسب الدستور الأميركي.
هل أن بوتين هو قيصر آخر، وبينغ هو امبراطور آخر، وأردوغان هو سلطان جديد.. وماذا عن بلاد فارس التي استبدلت حكم التاج بعمامة ولاية الفقيه؟ وربما يفوز نتنياهو في انتخابات أخرى، مبكّرة أو عادية، ليكون أطول من حكم إسرائيل متفوقاً على بن ـ غوريون.
هذا آذار، وهو شهر انتخابات عبر الصناديق، أو مؤتمرات الأحزاب، وفيه تنتهي المرحلة الكاستروية في كوبا (فيديل ثم شقيقه راؤول) دون أن ينتهي حكم الحزب الحاكم، ناهيك عن انتخابات رئاسية في فنزويلا الرئيس مادورو اليساري.
ماذا عن آذار العربي، حيث ستجري انتخابات برلمانية ورئاسية، في أربع دول عربية: لبنان، مصر، تونس.. والعراق؟
كانوا يقولون في الشارع المصري أن الرئيس حسني مبارك هو «فرعون» فقد حكم البلاد 30 سنة. الآن، يبدو أن الرئيس السيسي سيحكم بلاده أربع سنوات أخرى.. هي الأخيرة حسب الدستور المصري الجديد. لا يوجد للسيسي منافس جدّي، سوى مرشح مغمور آخر لا حظّ له كما يبدو!
تونس، مهد الربيع الشعبي العربي، كان يحكمها «الباي» المستبد بن علي، والآن يحكمها «العجوز» الديمقراطي قايد السبسي وفق تنافس برلماني مع حزب النهضة الإسلامي. أما العراق الجديد الطوائفي بعد حكم المستبد العروبي صدام حسين، فسيعود إلى برلمانية طوائفية، كما هو حال البرلمانية الطوائفية اللبنانية، وهي الأقدم والأرسخ في النظام العربي.
يقولون في بلادنا فلسطين، أن البرلمان الثاني الذي فازت فيه «حماس» بحصة الأسد، صار لاغياً ومتقادماً (كادوك) بعد أكثر من عشر سنوات.
في الواقع، فإن لبنان، الذي انقسم فيه كل شيء، عدا برلمانه الطوائفي الدقيق والمعدّل لاحقاً، عاش أكثر من عشر سنوات بالتجديد، حتى تمكّن من انتخاب برلمان جديد بعد اتفاقية الطائف عام 1990، التي أنهت ذيول الحرب الأهلية، التي بدأت منتصف السبعينات من القرن المنصرم.
لا يمكن وصف ديمقراطية بلاد الملالي بأنها سليمة تماماً، رغم انتظام انتخاباتها، ما دام الولي الفقيه هو الحاكم بأمره، أو الشاه مع عمامة، كما أن الديمقراطية التركية السلطانية مع أردوغان ليست نموذجاً ديمقراطياً سليماً وإسلامياً آخر!
الرئيس المصري السيسي قالها بصراحة: على الديمقراطية الحقة أن تنتظر عشرين عاماً آخر، وأمّا الديمقراطية الصينية العجيبة لحزب شيوعي واقتصاد رأسمالي، فعليها أن تنتظر حتى وفاة جين بينغ، ولا أحد يدري متى سينقطع دابر «سلالة كيم» في كوريا الشمالية.
.. هكذا تبقى الهند واليابان الديمقراطيتان الرئيسيتان في آسيا، كحال الديمقراطيات في غرب أوروبا، وأمّا «ربيع الشعوب» العربية الذي انتكس، رغم إجراء أربع انتخابات آذارية في أربع دول عربية، فإن الأمر سيتطلب سنوات أخرى طويلة، أو في الأقل أطول مما تبقّى لي من العمر!
ميادين المدينة
ما دام آذار شهر انتخابات عربية وأجنبية، فأنا «أنتخب» ميدان كريم خلف، في الطريق إلى القصر الثقافي ومتحف محمود درويش بصفته أجمل ميادين المدينة.
حجر ونبات وماء.. ورجل يركع على إحدى ركبتيه رافعاً علماً خفّاقاً، ويليه ميدان الملك عبد الله الثاني قبل القصر الثقافي. أمّا أبشع ميادين المدينة فهو ميدان بلدية بيتونيا.