نعم، حضرتُ، قبل سنوات، ندوة أو جلسة نقاش في غرفة لإحدى لجان الكنيست، نظمتها إحدى المنظمات الأميركية.
الحاضرون الفلسطينيون، حوالي خمسة، كانوا صحافيين لم ينبسوا ببنت شفة، بينما توالى على المنصة رؤساء لجان الكتل البرلمانية في الكنيست، وبالطبع، رئيس الكنيست، آنذاك، رؤوبين ريفلين.
حالياً، صار الرئيس العاشر للدولة منذ العام 2014، خلفاً لشمعون بيريس الأوسلوي. قبل سنة ونصف السنة، كان ريفلين، وهو مقدسي (يروشلايمي) يرى في أوسلو «حقيقة ناجزة».
الآن، صار مع إحلال السيادة الإسرائيلية الكاملة على الأراضي المحتلة، مع منح المواطنة لكل من يقيم فيها. «أؤمن أن صهيون كلها لنا» كما قال، مؤخراً، تعقيباً على مطالبة رئيس «البيت اليهودي» نفتالي بينيت، بضم الكتل، بدءاً من «معاليه أدوميم»، كمقدمة لضم المنطقة (ج).
عندما كان يرى في أوسلو «حقيقة ناجزة» كان يتصور تسوية مستقبلية في حديقة كونفدرالية إسرائيلية ـ فلسطينية، لكن بشرط أن تبقى إسرائيل «دولة يهودية»، وهذا سيجعل الحدود المفتوحة في هذه الكونفدرالية ممكنة، فقط إذا صار عدد اليهود فيها 14 مليون نسمة؟
كان «شريكنا» الأوسلوي، اسحق رابين، قد برّر أوسلو بأن يهود إسرائيل لم يبلغوا، آنذاك، 6 ملايين يهودي (الرقم الخرافي ـ السحري الإسرائيلي).
الآن، تجاوز عديد يهود إسرائيل هذا الرقم، وبدأت أطراف حكومة أقصى اليمين، سجالاً حول الانسحاب من أوسلو ومن «حل الدولتين» بالتالي، أو الضم الزاحف للضفة الغربية، أو التهام «الجبنة» الفلسطينية، كلها أو بعضها، بدءاً من الكتل الاستيطانية.
سأعود الى تلك الجلسة للجنة الكنيست البرلمانية، حيث جلس رئيس الكنيست ريفلين إلى جانب أحمد الطيبي، وكان يتودد إليه، أو يشاغله بينما الطيبي ينشغل عنه بمتابعة الأوراق، أو بمعنى آخر كان «يحلّس» فيه (يعني كما يحكّ الحمار جلده بالحيط أو شجرة).
كان موشي دايان سُئل لماذا غيّر رأيه من «شرم الشيخ بلا سلام، أحسن من سلام بلا شرم الشيخ» بقوله: «الحمار وحده لا يغيّر رأيه».
ريفلين غيّر رأيه من «كونفدرالية» لا تتحقق فيها «الحدود المفتوحة» إلاّ بعد بلوغ سكان إسرائيل اليهود 14 مليونا، إلى تفصيل الضم الشامل في إطار دولة واحدة.
يتشكل الائتلاف الحكومي الحالي في إسرائيل من «الليكود» وله 30 مقعداً، وجراء «الليكود» الذين رضعوا منه وفطموا، مثل حزب «كلنا» بقيادة موشي كحلون وله 10 مقاعد، و»البيت اليهودي» بقيادة نفتالي بينيت وله مقعد و»إسرائيل بيتنا» بقيادة أفيغدور ليبرمان، وله 6 مقاعد، ولكل من هؤلاء شهية مختلفة في التهام جبنة الأراضي الفلسطينية.
أكثرهم فهماً هو أصغرهم في عدد المقاعد أي 6,6 من مقاعد الكنيست، لكن في يده حل الائتلاف إن جرؤ نتنياهو على تكرار نطق «حل الدولتين» كما فعل في خطاب جامعة بار ـ إيلان 2009 مع بدء ولاية باراك أوباما الرئاسية... ولم يجرؤ برئاسة ترامب.
لا يتصور بينيت دولة واحدة لكل مواطنيها في «أرض ـ إسرائيل» بل ضمّ المنطقة (ج) مع سكانها الـ200 ألف كمرحلة أولى، لا تغير التركيبة الديمغرافية اليهودية لدولة إسرائيل.
فكرة بينيت العنصرية ـ اليهودية هي أن سكان الضفة هم 2,5 مليون حالياً (مع زعم أنهم 1,5 مليون) بينما غزة بسكانها الـ 2 مليون خارج الميزان الديمغرافي الحسّاس.
فكرة ليبرمان هي تبادل جغرافي ـ سكاني، يحقق لدولة إسرائيل أغلبية ديمغرافية وجغرافية معاً.
فكرة نتنياهو هي لا دولة واحدة ولا دولتان، وإنما هو وضع «اللادولة» الفلسطينية، كما يقترح موشي أرنس وزير الحربية السابق، والليكودي العتيق مثل ريفلين.
هذه الأفكار كلها، تعني إخضاع حق تقرير المصير الفلسطيني للديمغرافية اليهودية، في إطار الحق التوراتي اليهودي بفلسطين كلها من النهر إلى البحر.
ما هو موقف ريفلين من حق المواطنة لكل من يقيم في أرض إسرائيل؟ أي حق اليهود في استيطان الضفة الغربية، وحق الفلسطينيين في السكن في دولة إسرائيل؟
عندما تتحقق «الحدود المفتوحة» لحق السكان اليهود والفلسطينيين في السكن، بشرط أن يبلغ عدد اليهود 14 مليون نسمة، ربما يضمن وجود إسرائيل ذات غالبية يهودية. متى سيبلغ اليهود هذا العدد؟ وهل سيبقى الميزان الديمغرافي الفلسطيني ـ اليهودي مختلاً لصالح اليهود، دون تهجير الفلسطينيين؟
أحزاب ائتلاف حكومة نتنياهو تتناقش في التهام الجغرافيا والديمغرافية الفلسطينية، وما يبدو أكثرهم اعتدالاً أخطرهم، مثل ريفلين.
هل أرض الفلسطينيين هي مثل «الجبنة»، ربما يذكرنا بتعبير رئيس لبنان السابق فؤاد شهاب عن «أكلة الجبنة» Fromagist، أو بمنع تقديم الجبنة على موائد شارل ديغول لأن معظم الحديث سيكون حول أصناف ومذاق الجبنة الفرنسية.
الأغلب أن تقرير المصير الفلسطيني، وحل الدولتين أو الدولة الواحدة، أو اللادولة، هو ليس جبنة بل «لقمة الزقوم» في جوف إسرائيل.
«قرش شدمي»
في حكم حول مجزرة كفر قاسم 1956، حكموا على الرائد شدمي عقوبة بـ»قرش شدمي» لما كانت الليرة هي العملة والقرش من أجزائها الصغرى!
في حكم على الجندي أليئور عازريا (نور الله عازريا) أن إجهازه على الجريح عبد الفتاح الشريف عقوبته سنة ونصف السنة، بدلا من 20 سنة حكم عقوبة القتل العمد، وسنوات على «القتل غير العمد».
سيتم تخفيض الحكم إلى أقل من نصف العقوبة، وبعد نصف العقوبة سيصدر رئيس الدولة عفواً عنه.. وكل ما في مسألة القتل والمحاكمة أن مصوراً وثّق عملية القتل مصادفة ليس إلاّ.
56 % من الإسرائيليين يرون أن الحكم «متشدّد جدّاً»؟!.. وبينيت يطالب بالعفو! يا لها من تسوية بين العدالة والجيش والشعب.