فقط، ثلاثة أيام مرت بين قرار اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، بالإجماع، شرعنة بؤرة «عمونا» وسائر البؤر، وإقرار الكنيست، بالغالبية، المشروع بقراءة أولى.
يعني، خلال هذه الأيام، غيّر رئيس الحكومة موقفه من معارضة قرار لجنة وزارية للتشريع، إلى تصويت لصالحه في الكنيست. أما وزير المالية، موشي كحلون، زعيم قائمة «كلنا ـ كولانو» فقد «طنّش» عن حضور جلسة اللجنة، ثمّ وافق على التصويت في الكنيست، التي أقرّته بغالبية 58 ضد 50.
اسمه في القانون الإسرائيلي هو «تسوية»، وفي القانون الدولي هو «شرعنة» البؤر غير الشرعية، حسب القانون الإسرائيلي؛ أما اسمه الصحيح فهو «السلب» في تعبير النائب الليكودي المعارض، بني بيغن.
أيّاً كان الاسم، فإن وزيرة العدل، أيليت شكيد، من حزب «البيت اليهودي» هي التي عملت ووقفت وراء قرار اللجنة الحكومية للتشريع، وأفصحت عن أخطر أبعاده، التي هي إنفاذ مصادرة أملاك الغائبين في الضفة، كما صادرت إسرائيل وتصادر أملاك الغائبين في نطاق دولة إسرائيل!
لماذا، وحده، عارض ما يوصف بأحد «أمراء» الليكود قرار «التسوية» و»الشرعنة» والمصادرة؟ ولماذا «لحس» كحلون ممانعته للقرار، ثم تصويته في الكنيست لصالحه؟
سنعود القهقرى إلى قرارات محكمة العدل العليا الإسرائيلية لصالح عودة سكان قريتي إقرث وكفر برعم لأراضيهما، وامتناع حكومة بن غوريون عن تنفيذها، حتى لا تكون هناك «سابقة» عودة «غائبين» إلى قراهم، رغم أن سكان القريتين كانوا غائبين ـ حاضرين في نطاق دولة إسرائيل بطلب من جيشها.
فإلى قصة مستوطنة «آلون موريه» شرقي نابلس التي أقيمت «بؤرة» على أراض خاصة لقرية روجيب في العام 1979 بقرار من شمعون بيريس ومعارضة اسحاق رابين.
آنذاك، قررت محكمتهم العليا نقلها إلى أراض غير مملوكة في قرية دير الحطب القريبة ـ تسميها إسرائيل «أراضي دولة» ـ فقال مناحيم بيغن، الذي انصاع لقرار المحكمة: «يوجد «قضاة في القدس»؟!
القضاة في القدس (المحكمة العليا) قررت 2008 وأكدت 2012 على هدم بؤرة «عمونا» العشوائية، المقامة عام 1997، لأنها مقامة على أرض فلسطينية خاصة مع «طابو» قرب مستوطنة «عوفرة»، قرب سلواد، التي أقيمت في معظمها على الأقل، على أراض خاصة.
الحكومة ـ الحكومات الإسرائيلية تلكّأت في تنفيذ الحكم الواجب قبل 25 كانون الأول، وطلبت التأجيل بواسطة نتنياهو سبعة شهور لنقل 200 مستوطن فيها يعيشون في كرافانات، إلى أراضي غائبين، غادروا إلى الأردن بعد حرب 1967، قدم محاموهم إثباتات قانونية للمحكمة بأحقيتهم.
حتى لا يصبح قرار المحكمة «سابقة» تطبق على «هدم» و»نقل» عشرات البؤر من أراض خاصة لأراضي «غائبين ـ حاضرين» قررت لجنة شكيد «تسوية» أي «شرعنة» بؤرة «عمونا» وباقي البؤر، وصوتت الكنيست لصالح قرار اللجنة.
من قراءة أولى حتى القراءة الثالثة، سوف تسابق الحكومة موعد قرار المحكمة، ومن ثم ستضطر المحكمة إلى الموافقة على «التسوية» و»الشرعنة» و»السلب».
ترى الوزيرة شكيد وحزبها أن سلطة التشريع هي قرارات الكنيست، وتسعى إلى تغيير تركيبة قضاة المحكمة العليا، عن طريق إنشاء محكمة خاصة بأراضي الضفة الغربية، وكذا اعتبار المستوطنين سكاناً «محليين» أي تعميم قرار المحكمة عام 1972 باعتبار مستوطني «كريات أربع» محليين، علماً أنها مستوطنة أقيمت بؤرة أولاً، على أراض خاصة جوار مدينة الخليل.
المستشار القانوني للحكومة، أفيخاي مندلبيت، كان نصح الحكومة برفض قرار لجنة شكيد الحكومية، لأن المحكمة العليا سترفضه كما فعلت لاحقاً، ولأنه يتعارض مع القانون الدولي، لكنه وعد بدراسة حماية المستوطنين.
هذا التفاف إسرائيلي على القانون الإسرائيلي والدولي بقوانين جديدة تنسخها، أي التفاف على القانون بقانون، كما هو حال «الطرق الالتفافية» المؤدية للمستوطنات.
نعرف أن المنطقة (ج) تشكل 60% من الضفة، لكن هناك 30% منها تعتبرها إسرائيل «أراضي دولة» وقسم غير معروف آخر تعتبره إسرائيل «أرضا متروكة» أي تخص غائبين، صارت أراضيهم خاضعة لتفتيت وراثتها بعد 50 سنة من الاحتلال، وتريد إسرائيل الاستيلاء عليها «قسيمة» بعد أخرى!
في الأعمال الانتقامية الإسرائيلية من «الارهاب» الفلسطيني هناك «بنك أهداف» وفي تمادي الاستيطان هناك بنك لخطط توسيع الاستيطان، إما بدعاوى استعادة أملاك قديمة لليهود، كما في القدس بشكل خاص، أو الادعاء التوراتي بأن «يهودا والسامرة» تخص اليهود وإسرائيل، ولا حقّ للمقادسة المقيمين في أملاك يهودية بالقدس قبل العام 1948، بمطالبة عودة أملاكهم في القدس الغربية.
تستعد إسرائيل إلى موجة سُعار استيطانية أكبر، بعد فوز ترامب بالرئاسة الأميركية، ومنذ سنوات تترافق الموجة الاستيطانية بموجة غير مسبوقة من تشريعات قوانين عنصرية، تشمل بشكل خاص الفلسطينيين في إسرائيل، ولا توفر منظمات أو شخصيات محسوبة على «اليسار» في إسرائيل، مثل قانون «الجمعيات» غير الحكومية. أما التشريعات ضد الفلسطينيين في إسرائيل فهي عديدة، والآن صارت تشمل «تشريع» و»تسوية» و»سلب» الأراضي الفلسطينية في الضفة.
الفلسطينيون يأملون من المؤتمر الدولي والمحكمة الجنائية أن تلجما بعض هذا السُعار، لكن إسرائيل لن تذهب للمؤتمر الدولي، دون أن توفر اتصالاً من نتنياهو بالرئيس اوباما ليتمنّى عليه أن لا يتخذ موقفاً في وداع ولايته لا يناسب إسرائيل في مسألة «حل الدولتين»، وأن لا يدعم المشروع الفرنسي إذا قدم إلى مجلس الأمن، كما تأمل إسرائيل خيراً من تشكيل طاقم إدارة ترامب من شخصيات يمينية ومؤيدة لإسرائيل في مسألة القدس وحل الدولتين.
وفي حكومة نتنياهو الثالثة المؤلفة بعد 2015 نزاع بين اليمين واليمين، لكن الجميع لن يذهبوا إلى الاحتكام لصناديق الاقتراع بل ستتم تسويات بين هذه الأطراف، ليشكل نتنياهو حكوماته الرابعة والخامسة.. إلخ.