مشكورة، ضبطت بلدية رام الله (الممتازة!)، منذ سنوات، فوضى عشوائيات، كانت قذى للعيون، في أشكال مظلات المحلات التجارية، وهذا كان في إطار تحديث وتجميل البنية الفوقية والتحتية، بمناسبة مئوية البلدية 2008.
سارعت، أيضاً، مشكورة لتصويب غلطة إملائية ـ نحوية رصدتها جانب صرح شهداء رام الله في نص قصيدة محمود درويش المحفورة على الحديد الزهر، حول حذف حرف "الألف" من مطلعها: "عندما يذهب الشهداء إلى النوم/ أصحو.
عندما كتبتُ عن "فضيحة" الحجر المغشوش لضريح القائد ـ المؤسس، قامت مؤسسة ياسر عرفات بتغيير نوع الحجر إلى الأحسن.
متى تلتفت البلدية إلى وضع ضوابط لأسماء المحلات الجديدة، حيث تغلب عليها، حتى الطغيان الفاحش، الحروف اللاتينية، ومفردات اللغات الأجنبية، الإنكليزية.. وحتى الفرنسية، مثل: Toi et moi (لك ولي).
لا غضاضة في ازدواجية الحروف والكلمات، لكن أليس من المشين لكرامة لغتنا القومية، هذا الإهمال التام للحرف والكلمة العربية؟
يقول الخطاطون إن الحرف العربي مطواع جمالياً في أشكال رسمه، وبهذا يبرع بها الفنانون التشكيليون في لوحاتهم.
لا أظن أن مطواعية لغتنا لاشتقاق الأسماء والكلمات، وغناها بالمفردات، ذات الوقع الموسيقي الجميل، يضاهيها كثير من اللغات.
أذكر أنه، في ستينيات القرن المنصرم، قامت بلدية دمشق، الممتازة اسماً وفعلاً، بحملة لتعريب الأسماء، وكتابتها بالحرف العربي الكبير، مرفقاً بالحرف اللاتيني الصغير إن لزم مثلاً، استبدلت كلمة "الدورادو" على مقهى بكلمة "الدار".
صحيح، أن معجزة إسرائيل هي، أولاً، في إحيائها للغة العبرية، كما لاحظ محمود درويش، ويحرصون هناك على استخدامها في كل ما يلزم وما لا يلزم.
في مناسباتنا الشعبية والرسمية، نرى الكوفية تتوج الرؤوس أو الرقاب، هذا جيد، لكن ايضاً، مع وشاح قماشي حريري على الرقاب، مدندش في حواشيه بخيوط ألوان علمنا الوطني..
وأيضاً بعبارة PALESTINE مكررة وغير مرفقة بكلمة "فلسطين" سواء بحروف موصولة أو مفصولة!
لاحظت في جريدة "الأيام" 23 آذار صورة لمنصة لقاء لإطلاق "خطة عمل" إقامة أربع محطات لتوليد الكهرباء.
صحيح أن الرباعية الدولية، وممثلية النرويج، ودولا مانحة تستحق الشكر لدعمها هذه الخطة، لكن "سلطة الطاقة والموارد الطبيعية"، كانت العبارة الأصغر بين ست عبارات بالإنكليزية، أكبرها اسم رئيس الوزراء!
ستكون بلدية رام الله، وسائر بلديات المدن، مشكورة، إن راقبت وضبطت فوضى أسماء المحلات التجارية لتغليب الحرف والكلمة العربية، ولو دون طمس الحرف اللاتيني والكلمة الأجنبية بخط أصغر.
حجر وخشب وألومنيوم
لا تتهاون بلدية لندن، مثلاً في أمر نسق واتساق ودرجة علو واحدة لمنازل البيوت السكنية المتشابهة حد الملل، كما حال منازل المستوطنات!
نعم، صارت العمارات الشاهقة في مدن العالم يغلب في بنائها استخدام مزيج من الألومنيوم والزجاج. نحن نبني بيوتنا من حجر، وغالب أبنيتنا التجارية كذلك... لكن الا يشكل مبنى من زجاج وألومنيوم وسط مبان من حجر نوعاً من النشاز القبيح!
يقولون في الأمثال: قلب له ظهر المجن، أو غادرات الزمان ودورته: من ذلك أن مكانة أنواع الأحجار في المباني تبدلت، وكان أسهلها في النقر حجر "الطوبزي" ثم "الملطّش" واما الصقيل "المسمسم" فكان يكسو الواجهات، وكان "الملطّش" و"الطوبزي" يتوارى خجلاً.. الحال انقلبت.
قد نقول: لا أجمل من "الطوبزي" وقد جلّله الزمان، ولا أسهل على آلات قطع ونقر وصقل الحجر التكنولوجية من تنعيم الحجر.
بعض المحلات تلجأ إلى كسوة واجهاتها الحجرية القديمة بـ "عباءة" من معدن الألومنيوم، بما يشكل إهانة لجماليات الحجر، وبعضها الآخر صار يستر حجر أبنية قديمة ومهيبة بالخشب. لا بأس بهذا، لكن جمالياً يجب أن يكون ذلك في مبان منفصلة، وليس مثل استخدام الألومنيوم والزجاج وسط أبنية حجرية متصلة.
على البلدية أن تستشير معماريي "رواق"!
الطاقة
خطة الطاقة الكهربائية الجديدة تتطلع إلى إقامة أربع محطات في رام الله ونابلس وجنين والخليل، لتقليل الاعتماد على استيراد الطاقة من مصادر خارجية، وخفض سعرها.
هذا ضروري وجيّد، والأكثر جودة هو توليد الطاقة الكهربائية النظيفة والرخيصة من أشعة الشمس والرياح، وما يعرف بـ "الطاقة الخضراء" نحن نحبو في هذا المجال الواعد.
الحبو الصحيح هو توليد الكهرباء في الشوارع بين المدن، أو في المدن، عن طريق محطات توليد الطاقة الخضراء بتجهيز الأعمدة بما يلزم من بطاريات شحن. كان هناك في هذا المجال تجربة رائدة بإضاءة أعمدة شارع "وادي النار" إلى بيت لحم بتمويل خارجي، كتجربة أولى.
هذه التجربة أجهضت للأسف، لأن اللصوص سرقوا البطاريات بعد أن فكّكوها من أعمدتها في طريق وادي النار الخطير، خاصة في ساعات الليل أو أيام الضباب، ومن ثم لم تتكرر هذه التجربة الريادية، مثلاً، في طريق المعرجات الجبلي من رام الله إلى أريحا، وهو طريق صعب و"أفعواني"، ولا في الشارع الذي يصل رام الله ببيرزيت، المضاء بالطاقة من مصادر أخرى مكلفة.
في نواح مما سبق قد نقول: يا بلدية..! لكن في نواح أخرى قد نقول: يا ناس.. يا مواطنين. لا تخربوا ولا تسرقوا حتى "عيون القط" التي ترسم بالانعكاس خط أمان السير والحركة.