تسرّع العامة
آخر تحديث GMT 12:11:16
 فلسطين اليوم -

تسرّع العامة

 فلسطين اليوم -

تسرّع العامة

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

بين الآونة وأختها، أعود الى أمهات كتب قديمة، لتمرين قلمي ولغتي، ولجلو سقم الروح بطرائف ولطائف، بعضها مغموس بالحكم والعبر، وخلاصة إمعان النظر في أحوال البلاد والعباد، وكيف يكون فساد الرأي، وكيف يكون صلاح العباد والبلاد.

تصادفت رحلة ‹ابن جبير› الى حج مكة مع زمن صلاح الدين الناصر بن أيوب، في العام 1183 ميلادية. فهي مفيدة في الشهادة على زمانها وزمان بأسها. والكتاب ذاته من نفائس أدب الأسفار والرحلات في التاريخ العربي الإسلامي. وكان أحد المراجع في كلية آداب اللغة العربية بجامعة دمشق خلال السبعينيات. وهنا مقتطف عن فساد رأي الناس وسداد حكم ذوي العلم والحجى. وفي مواضع أخرى من رحلته في مصر والحجاز يتعرض لمفارقات من جور الولاة أو عدالتهم .. وعادات الناس في زمانهم ذاك.
* * *
استهل هلال ذي الحجة ليلة الخميس بموافقة الخامس من مارس. وكان للناس في ارتقابه أمرٌ عجيب، وشأن من البهتان غريب، ونطق من الزور كاد يعارضه من الجماد ـ فضلاً عن غيره ـ ردّ وتكذيب.
وذلك أنهم ارتقبوه ـ ليلة الخميس الموفّي ثلاثين ـ والأفق قد تراكم غيمه، الى أن علته ـ مع المغيب ـ بعض حُمرة من الشفق.
فطمع الناس في فرجة من الغيم، لعل الأبصار تلتقطه فيها.

فبينما هم كذلك إذ كبّر أحدهم، فكبّر الجمّ الغفير لتكبيره، ومَثَلوا قياماً، ينظرون ما لا يبصرون، ويشيرون الى ما يتخيلون، حرصاً منهم على أن تكون الوقفة بعرفة يوم الجمعة، كأن الحج لا يرتبط الا بهذا اليوم بعينه.
فاختلقوا شهادات زورية، ومشت منهم طائفة من المغاربة ـ أصلح الله أحوالهم ـ ومن أهل مصر وأربابها. فشهدوا عند القاضي برؤيته. فردهم أقبح رد، وجرّح شهاداتهم أسوأ تجريح، وفضحهم في تزييف أقوالهم أخزى فضيحة، وقال: يا لَلعجب! لو أن أحدهم يشهد برؤيته الشمس ـ تحت ذلك الغيم الكثيف النسج ـ لما قبلته. فكيف برؤية هلال هو ابن تسع وعشرين ليلة؟

وكان أيضاً مما حكي من قوله: ‹تشوشت المغارب (اضطرب أمر المغاربة): تعرضت شعرة من الحاجب، فأبصروا خيالاً ظنوه هلالاً ‹ يعني أن شعرة من حاجب الرائي لاحت أمام عينيه، فحسبها لاستدارتها هلالاً.
وكان لهذا القاضي: ‹جمال الدين› ـ في أمر هذه الشهادة الزورية ـ مقام من التوقف والتحري، حَمَدَه له أهل التحصيل، وشكره عليه ذوو العقول، وحُق لهم ذلك، فإنها مناسك الحج للمسلمين أتوا لها من كل فج عميق. فلو تسومح فيها بطل السعي، وفَالَ الرأي (فسد). والله يرفع الالتباس والباس بمنّه.
فلما كانت ليلة الجمعة، ظهر الهلال ـ في أثناء فُرَج السحاب ـ وقد اكتسى نوراً من الثلاثين ليلة، فزعقت العامة زعقات هائلة، وتنادت بوقفة الجمعة، وقالت: ‹الحمد لله الذي لم يخيب سعينا، ولا ضيّع قصدنا›. كأنهم قد صحّ عندهم أن الوقفة اذا لم تكن توافق يوم الجمعة ليست مقبولة، ولا الرحمة فيها من الله مرجوة مأمولة. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ثم إنهم ـ يوم الجمعة المذكورة ـ اجتمعوا الى القاضي، فأدّوا شهادات بصحة الرؤية تُبكي الحق وتُضحك الباطل. فردّها وقال: ‹يا قوم: حتّام هذا التمادي في الشهوة، وإلام تستنّون ‹تسرعون في الجري في طرق الهفوة›. وأعلمَهم انه قد استأذن الأمير ‹مكثراً› وهذا اسمه، في ان يكون الصعود الى ‹عرفات› صبيحة يوم الجمعة، فيقفوا عشية بها. ثم يقفوا صبيحة يوم السبت بعده، ويبيتوا ليلة الأحد بـ ‹مزدلفة›. فإن كانت الوقفة يوم الجمعة، فما عليهم ـ في تأخير المبيت بـ ‹مزدلفة› ـ بأس، اذ هو جائز عند أئمة المسلمين. وإن كانت يوم السبت فبها ونِعْمَت.. فنِعْم ذلك. وأما ان يقع القطع بها يوم الجمعة فتغرير بالمسلمين، وإفساد لمناسكهم، لأن الوقفة يوم التروية عند الأئمة غير جائزة، كما انها جائزة يوم النحر.
فشكر جميع من حضر للقاضي هذا المنزع من التحقيق، ودعوا له، وأظهر من حضر من العامة الرضا بذلك، وانصرفوا عن سلام.
* * *
هو ابن الحسين محمد بن جبير الأندلسي، من غرناطة. وكان بدأ رحلته لحج بيت الله الحرام في 25 شباط 1183 (3 شوال 785هـ)، فوصل مكة بعد سبعة أشهر ونيف.
المقتطف من ‹مكتبة كامل كيلاني ـ قصص عربية، دار المعارف ـ ط8 ـ أول يناير 1940، الفصل الثاني عشر بعنوان ‹ارتقاب الهلال›.

قد يهمك أيضا :  

شمسها شاحبة في يوبيلها الماسي!

إلاّ الاسم، وإلاّ العلم.. وصفة الشعب؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تسرّع العامة تسرّع العامة



GMT 14:39 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

007 بالمؤنث

GMT 14:37 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

هل هي نهاية الخلاف السعودي ـ الأميركي؟

GMT 14:31 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

الجنرال زلزال في سباق أنقرة إلى القصر

GMT 03:38 2023 السبت ,04 آذار/ مارس

في حق مجتمع بكامله

تارا عماد تتألق بإطلالات عصرية ملهمة لطويلات القامة من عاشقات الموضة والأناقة

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:02 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

لا تتهوّر في اتخاذ قرار أو توقيع عقد

GMT 13:42 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 19:16 2020 الإثنين ,04 أيار / مايو

ينعشك هذا اليوم ويجعلك مقبلاً على الحياة

GMT 14:22 2020 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحمل الإثنين 26 أكتوبر/تشرين الثاني 2020

GMT 07:37 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تفتقد الحماسة والقدرة على المتابعة

GMT 07:39 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

تعيش أجواء مهمة في حياتك المهنية والعاطفية

GMT 22:52 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

هيفاء وهبي تتألّق بفستان مرصع بالكريستال

GMT 01:41 2020 الأربعاء ,08 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 05:58 2020 الخميس ,04 حزيران / يونيو

تعيش ظروفاً جميلة وداعمة من الزملاء

GMT 18:41 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

أميركا توسع قائمة العقوبات ضد إيران
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday