شبّت الغرسة بنت الشبرين، وصارت شجيرة في علو ثلث قامتي. من يوم غرسها في حديقة الضريح صارت الزيارة له ولها زيارتين.
إما أنعطف يساراً إليها، إنْ كان في الضريح فرد أو وفد، أو أنعطف يميناً إن كان الوفد فرداً واحداً هو أنا!
هي هدية لبنان إلى ضريح عرفات، تربض قريباً من بضع أشجار زيتون مقدسية معمّرة؛ ونطاق الزيتون المتوسطي يشملنا مع لبنان، لكن هذه الشجيرة وافد فريد لبناني إلى أشجار فلسطين.
ليس لديّ علم أنها تنمو في جبل الجرمق، لكن لها أرومة شبيهة في جبال الأطلس، ضمن أرومة أرزية في العالم لا تتعدّى عشرة أنواع. حسبما قرأت فهذه الكرة تتعدى صنوف الشجر فيها زهاء 6000 ويزيد.
في الأسطورة أن جلجامش السرمدي وصاحبه أنكيدو البشري قصدا بلاد الأرز سعياً إلى بعض خشب من غاباتها لبناء معبد في «ميزوبوتاميا».
خلاصة الأسطورة هي علاقة خلود السرمدي جلجامش بقرينه البشري أنكيدو الذي مات في الرحلة.
يقولون عن الزيتون المعمّر أنه «رومي»، لكن هذا الأرز يفوقه عمراً، وعلى مرّ الدهور تدهور الغطاء الشجري في بلاد الأرز من 40% من مساحة لبنان إلى 20%، لكن غابات الأرز انحصرت في مكانين: «أرز الرب» في شمال جبال لبنان (القرنة السوداء) وأرز الباروك في جبال الشوف، نظراً لاحتطاب أشجار الأرز الملائمة لبناء السفن والمعابد القديمة، ولأنها برائحتها العطرية عصية على الدهر وسوس الأشجار، وظلال فروعها تجبر روّاد غاباته على ارتداء سترة شتوية في عزّ الصيف.
يرمزون إلى ديمومة الحياة بـ «شجرة الحياة» وإلى ديمومة الإنسان بالمرأة.
ربما لهذا قال درويش: «الشجر العالي كان نساء كان لغة «تتحدث بما في لسان الإنسان من تنوع، وبما في لسان الأشجار من مثمرة أو حرجية، رائحة الخضرة أو نفضية، عريضة الأوراق أو ابرية.
عشقي للأشجار هو عشقي للحياة، والذي قال: لا تذكروا بعدنا إلاّ الحياة، كان قد قال: «سيل من الأشجار في دمي/ أتيتُ.. أتيتُ» هل تصدقون؟ قبل أن أصير صحافياً، كنت أكتب قصصاً قصيرة، واحدة مبكرة منها بعنوان «مصرع الشجرة الرابعة»، التي دهمتها وكسرتها سيارة جانحة في شارع دمشقي، وشوارع دمشق تصطف الأشجار على أرصفتها.
كانت أرصفة شوارع وسط رام الله ذات ثلاثة أركان: اسفلت ورصيف وأعمدة كهرباء. هكذا كان الشارع الرئيسي للمدينة، قبل أن تقوم البلدية، في مئويتها قبل ثماني سنوات، بزرع أشجار من نوع «فيقوس» على الأرصفة، على أمل أن تمدّ فروعها وتتعانق كما في الحديقة الإسبانية في أريحا، تشكل ما يشبه «صف دبكة» متعانقة الأذرع/ الفروع.
ضربنا، قبل سنوات، شتاء قارس من الانجماد الليلي، الذي يصيب أصابع الإنسان بالغرغرينا، وأصاب أفنان وفروع الأشجار، والبلدية تأخرت في تقليمها وتشهيلها.. فهلكت معظم الأشجار هذه: أكثر مما هلكت بأيدي هواة قصف جذوعها الهشّة قبل أن تنمو وتشبّ.
البلدية استبدلتها بأشجار مقاومة لقرصة الصقيع، وسريعة النمو عمودياً، لكن بعضها صار يموت لأن أصحاب الحوانيت يدلقون في حوضها أسطالاً من مياه الشطف المحقونة بما في مواد التنظيف من سمّ زعاف للأشجار، عدا كسر بعضها لمّا تصعد السيارات على الرصيف.
بعد أيام، سيذهب ناس المدينة إلى انتخاب قائمة من أربع قوائم متنافسة لرئاسة البلدية، وتصفحت برامجها الموزعة في مطويات (بروشورات) فوجدت وعودها المقنطرة ناقصة أمرين أراهما ذاتي أهمية: تشجير المزيد من شوارع المدينة ورعايتها، وضبط اجتياح الحرف اللاتيني والكلمة الأعجمية لأسماء المحلات الجديدة، وكذا، أمر ثالث هو الوعد بإضاءة شوارع المدينة ببطاريات شمسية على أعمدة الكهرباء، وإن أمكن لاحقاً تشجير حفافي الطرق الواصلة بين المدن والقرى وإضاءتها بالطاقة الشمسية، أو زراعة نباتات مزهرة وغير محبة للماء في هذه الطرق.
الشجرة أصل الحياة، كما المرأة أصل بقاء كائناتها الحيّة، لأنها «نارنا الدائمة» كما وصفها شاعرنا.
يفرض القانون نصيباً معلوماً للمرأة في المجالس البلدية، وعدداً معلوماً، لكن في هذه الانتخابات هناك أربع قوائم متنافسة على مجلس بلدية رام الله، ولا واحدة منها تترأسها امرأة، وكانت لدينا واحدة تترأس بلدية رام الله، وأخرى بلدية بيت لحم، ولدينا حالياً امرأة تشغل منصب محافظ رام الله والبيرة.
لا أعرف ما هي الحكمة من مطالبة البعض بتأجيل الانتخابات البلدية بذريعة دعم إضراب الأسرى، قبل أسبوع واحد من موعد الانتخابات، بينما جذوع الأشجار وأعمدة الإنارة امتلأت بدعايات القوائم المتنافسة التي صرفت مالاً عليها وعلى لافتات الدعاية.
سأنتخب ـ إن انتخبت ـ القائمة التي تحوي أسماء خمس نساء لمقاعد 15 عضواً، بدلاً من أربع نساء حسب القانون الانتخابي للمجالس البلدية، لأن الانتخابات هي شجرة الديمقراطية، ولأن النساء هنّ الأشجار المثمرة فيها، أو نسغ حياة الشجرة بين اللحاء والخشب!
تعقيب
من نصري الحجاج، فيينا ـ النمسا، على عمود الأحد عن إضراب الأسرى:
«وخامساً، لأن الشتات الفلسطيني والمجنّس بغالبيته، والذي يملك قوة المواطن في مكان سكناه يكتفي بتقليد ابن رام الله ونابلس أو بتخوينه».
لا أدري من أين حصل عامر بدران على معلوماته وإحصاءاته التي يذكرها بصورة اليقين بأن الشتات الفلسطيني مجنّس بغالبيته.
ولا أدري كيف توصل لاستنتاجه الفكري بأن الشتات يكتفي بتقليد و/أو تخوين.
نرجو تحرّي الدقة في النظر إلى قضايا تمسّ المعلومات، وأما العواطف فهذا شأن آخر.
• من المحرر: لعلّه قال «بغالبيته» وهو يقصد الفلسطينيين في الأردن وأوروبا، وليس الشتات في لبنان وسورية، أي حملة الجوازات والوثائق غير الفلسطينية.