بقلم : حسن البطل
لا أعرف: هل ومتى ستطلب السلطة الفلسطينية من الجمعية العامة «تجميد» أو «إعادة النظر» في اعتمادها أوراق دولة إسرائيل عضواً فيها.
لنتذكّر أن عضوية إسرائيل مشروطة بشرطين: قبولها عودة اللاجئين؛ وإقامة دولة عربية وفق قرار التقسيم لعام 1947. في الواقع السياسي الحالي، بعد سبعين عاماً من إقامة دولة إسرائيل، انضمت الولايات المتحدة، مؤخراً، إلى الرفض الإسرائيلي لحق العودة، وتكاد تنضم إليها في رفض إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، وفق خطوات متلاحقة، هي المحتوى الحقيقي لـ «صفقة القرن»:
أولاً: رأت الإدارة الحالية الأميركية، أن الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية «ليس المشكلة». وثانياً: ادّعى الرئيس ترامب أنه «أزاح» مشكلة القدس عن طاولة المفاوضات، باعترافه بها عاصمة لإسرائيل وحدها. وثالثاً: تطالب واشنطن بتصفية تدريجية لـ «الاونروا».
تدّعي الولايات المتحدة، كما إسرائيل، أن العدد الفعلي للاجئين لا يتعدّى المائة ألف، بينما هم في سجلات «الاونروا» يزيدون على الملايين الخمسة، وهم أحفاد وذراري الـ 800 ألف لاجئ سنة النكبة.
نعرف أن «الاونروا» تعمل في خمس دول ـ ساحات، لجأ إليها «مؤقتاً» اللاجئون بعد النكبة، ولكنها لا تعمل في إسرائيل، علماً أن ربع أو ثلث عديد الفلسطينيين فيها محرومون من حق آخر للعودة، أي إلى قراهم المهجّرة أو المدمّرة، بفعل إقامة دولة إسرائيل، التي استنَّ برلمانها، مؤخّراً، قانوناً أساساً: إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي. ما هذا؟ اليهود شعب والفلسطينيون ليسوا بشعب ولا دولة!
لكل الدول دساتيرها، التي تحدّد حدود الدولة، بما فيها الدستور الفلسطيني المؤقت، الذي حدّد حدود دولة فلسطين المعلنة، وفق خطوط العام 1967.. لكن، ليس لإسرائيل دستور «دولة ذات سيادة» يحدّد حدودها. ذات مرّة، قالت غولدا مائير: «الحدود حيث يقف الجنود» وجنود إسرائيل يقفون على نهر الأردن، التي اعتبرتها إسرائيل «حدوداً أمنية». والآن، تتعامل معها كحدود سياسية ـ سيادية، أي تطالب بضمها إليها.
أولاً، طالبت بضم «الكتل» الاستيطانية، ولاحقاً ضم المستوطنات المعزولة، «الشرعية» منها وغير الشرعية، ثم المطالبة بضم المنطقة ج .. واخيرا هناك من يطالب بترحيل و»ترانسفير» الفلسطينيين في الضفة، إمّا بعد حرب كبيرة، وإما بوسائل الضغط والتضييق المتمادية.
بعد النكبة، كان هناك حتى في إسرائيل، من طرح عودة واستيعاب 100 ألف لاجئ، ثم وصلنا إلى شعار: ولا لاجئ يعود، بعد تقنين يمنع عودة لاجئين بالزواج من مقيمين فلسطينيين في إسرائيل، ممنوعين من حق العودة إلى قراهم المهجّرة أو المدمّرة.
إسرائيل، في المقابل، خلّدت مشكلة «الناجين» اليهود من الهولوكوست، الذين وجدوا لهم وطناً و»دولة يهودية» في إسرائيل، وعديدهم آخذ في التضاؤل بحكم مرور السنوات.. وعديد اللاجئين آخذ في الازدياد!
بينما حاولت إسرائيل بالقوة منع عودة اللاجئين إليها، في السنوات الأولى لقيامها، وحالت دون إقامة مدينة أو بلدة فلسطينية فيها تستوعب تكاثرهم من 170 ألفاً إلى مليون ونصف المليون، وأقامت في المقابل مئات المدن والبلدات اليهودية، ثم مارست حق العودة اليهودي التوراتي إلى «يهودا والسامرة»، وإخلاء الفلسطينيين من بيوت في القدس القديمة، بدعوى أن سكانها كانوا يهوداً قبل إقامة إسرائيل بعشرات السنين.
إذا لم تسمح إسرائيل بعودة «المهجّرين» الفلسطينيين إلى قراهم، فهي لم تسمح كذلك بعودة النازحين الفلسطينيين من الضفة بعد حرب العام 1967 إلى الضفة الغربية، حسب اتفاق أوسلو، الذي تنصّلت إسرائيل منه، ثم سحبت اعترافها به عملياً.
أولاً، حق العودة اليهودي إلى دولة إسرائيل، ثم حق اليهود في العودة، بعد ألف عام، إلى «يهودا والسامرة».. ولاحقاً عودة اللاجئين الفلسطينيين بعد سبعين عاماً من النكبة!
في الخلاصة: دولة إسرائيل هي استثناء الدول وفريدتها في «الانبعاث» بعد ألف عام، وتنكر على الفلسطينيين فرادة حق العودة الفلسطيني، وتأخذ على الأمم المتحدة، والدول العربية، والسلطة الفلسطينية، تخليد مشكلة العودة، خلاف وضع بقية اللاجئين في العالم، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.
هؤلاء «عادوا» إلى أوطان ودول هي أوطانهم، وصاروا مواطنين كاملي الحقوق، وليسوا في وضع الفلسطينيين في إسرائيل، أي «متساوين» أقل مع يهودها!
لليهود وطن ودولة، وللفلسطينيين وطن وليس لهم دولة يعود اللاجئون إليها، كما ليس لـ «المهجّرين» الفلسطينيين فيها حق العودة إلى قراهم المهجّرة أو المدمّرة.
ليس بجرّة قلم يمكن حل مشكلة القدس المعقّدة، ولا بتجفيف «الاونروا» يمكن حل مشكلة «حق العودة».. ولا بالاستيطان يمكن حل مشكلة إقامة دولة فلسطينية تكون وطناً للشعب الفلسطيني.
حل الدولتين صار صعباً، وحل الدولة الواحدة صار مشكلة، كما قانون القومية اليهودية ضد دولة جميع رعاياها.