جلستُ على حافّة مدخل "الأيّام" ألتمس شمساً ربيعية شاحبة، كما جلس الروائي البرتو مورافيا على مقعد في الحمّام. رحتُ أرقب دبُّوراً أحمر يلوب بحركة حلزونية، ويخفق بجناحيه محاولاً الطيران. إنه يقوم، على الأرجح، بحركات إحماء (وورمينغ أب)!
في قصة، أو جزء من رواية، جلس الروائي الإيطالي على كرسي في حمّام بيته، وراح يرقُب كيف ستخرج دويبة حمراء قميئة سقطت في حوض المرحاض ساعة انصرمت والحشرة تتعربش على منحنيات حوض المرحاض. تسقط تنهض ثانية. تسقط.. تنهض، وأخيراً نجحت في الخروج. مؤلف رواية "السأم" لم يسأم، ولم يضغط على شاطوفة (نياغرا) تذهب الحشرة إلى حتفها.
في حركات الإحماء للدبُّور الأحمر، فكّرت أنه لا يطير لأنه مهيض الجناح المكسور.. لكن كلاّ يخفق بجناحيه عبثاً. أنا من كائنات الدم الحار وأتشمّس، وهو من كائنات الدم البارد، خرج من وكره صباح يوم متقلب بين شمس شاحبة لا تلبث أن تستر أشعتها غيوم، وتهبّ ريح باردة!
كما في مسرح وروايات العبث، خرج زميل سمين من بوّابة "الأيّام"، وداس دون قصد على الدبُّور المجتهد و"معصه". هذه أوّل مرّة أرقب ميتة عبثية لدبُّور أحمر، أغبى من أن يعي "تردّد" نيسان" بين الشتاء والربيع، أو بين الربيع والصيف.
الدبُّور هو الدبُّور، وهو شيخ "الزلقطة" المخططة بالأصفر الزاهي والأسود، هي في الشام "زلقطة" وفي فلسطين هي "صَمَل". كنا صغاراً في الغوطة، ودوما بالذات، وكنا نعرف أن لسعة سمّ الدبُّور في قوة سبع لسعات للزلقطة"، وأن لسعة الدبُّور الأسود تفوق لسعة الدبُّور الأحمر!
تذكّرت شيطنة أولاد دوما، حيث كانوا "ينعرون" وكر الزلاقط وفي أيديهم عصا ملتهبة، فتتساقط "الزلاقط" كما كان جنود الحرب الغابرة يتساقطون بنيران قاذفات اللهب!
كانت دوما بخاصة عاصمة العنب الدوماني فائق الحلاوة، رقيق القشرة، بحيث تنخرها الزلاقط وتمتص رحيقها. انقرض العنب الدوماني في التوسع العمراني، فانقرضت الزلاقط، وصارت كروم الأعناب ذات حبّات سميكة القشرة، كأنها "بلاستيك"، أو مغبّرة بالكيماويات، لكن نحل العسل لم ينقرض بعد، لأنه صار "مدجّناً" كما البسس والهررة.
2ـ لم تكن "زرقاء اليمامة"!
"زلقطة" في الشام و"صَمَل" في فلسطين. أيضاً، يمامة (حمامة برية) في فلسطين و"ستيتية" في ديار الشام، حيث يمتهن البعض مهنة "كشاش الحمام" الداجن على السطوح، و"يتسارقون" فيما بين أسرابهم. خصومات ومصالحات!
العصفور الدوري لا يألف الإنسان (ربما كان شاهداً على قتل قابيل لهابيل)، على عكس الحمام واليمام شيئاً ما. أبداً تقريباً لم أرَ عصفوراً دورياً تدوسه عجلات السيارات، لكن رأيت في شارع ركب كيف داست وفعصت سيارة مسرعة يمامة لاهية، لعلها "طمعت" في التقاط "فتوتة" خبز أخرى.. فدهمتها سيارة و"فعصتها".
لو كنت أنا السائق لتمهّلت قليلاً، أو أطلقت زموراً صاخباً، ولكن ركلت جثة اليمامة المفعوصة من منتصف الشارع إلى حافة الرصيف!
3ـ البسّة واليمامتان الحذرتان
في شارع بهية فرح خليل، حيث مقر الكمنجاتي ومؤسسة "تامر" تمهّلت في سيري. توقفت ورحتُ أرقب بسة شارع تكمن خلف عامود كهرباء، كما تكمن النمور بين الأشجار لفرائسها في أشرطة فضائية "ناشيونال جيوغرافي".
الزلقطة أخت النملة، والبسّة سليلة النمور أو "القطط الكبيرة" ولها عاداتها، ولكنها لا تعدو في سرعتها (يُقال إن سرعة الفهد الصيّاد القصوى هي 120كم/س).
رأيتُ في طفولتي وولدنتي كيف كَمَنت بسّة لعصفور أو حمامة، وكيف أفلحت أحياناً في افتراسها. لم أخبط بقدمي أرض الشارع لتهرب البسّة، فتهرب اليمامتان وهما تلتقطان قوتهما، لكن في حركة عفوية متعاكسة، تمنع البسّة من وثبة "النمر" للإمساك بواحدة من اليمامتين. أفلتت اليمامتان من كمين البسّة، لأن ولداً على درّاجته جعل اليمامتين تطيران، فتغادر البسّة موطن كمينها الفاشل.
من مراقبته للطيور تعلّم الإنسان كيف يطير، وكيف يصنع الطائرات، ومعظم الطائرات الحربية والمدنية تحتاج أن "تدرج" على مدرجات لتقلع، وإلى جنيحات لتهبط على أرضية المدرجات، لكن ذوات الأجنحة من الكائنات الطائرة، كالنحل والزلاقط، أو كالعصافير والحمام واليمام وأضراب الطير، تحطّ من عليائها بحركة أجنحتها كما تفعل الطائرات بجنيحاتها، لكنها تُقلع دون مدرجات برفرفات سريعة من أجنحتها.
انقرضت الديناصورات اللاحمة والعاشبة على السواء، لكن ديناصورات ذات ريش كانت تُقلع ركضاً، كما الطائرات على المدرجات.. ثم بفعل النشوء والارتقاء، صارت الطيور ديناصورات صغيرة متطورة، كما صارت "القطط الكبيرة" ذات نسخة مصغّرة من القطط الداجنة.
الإنسان قمة "النشوء والارتقاء" والمدجّن الأكبر للكائنات.. لكنه، أيضاً، المفترس الأكبر!
السلطان و"ميزان الميّه"
قال أردوغان: "لا نيّة للتخلي عن التحالف مع أميركا، أو الشراكة مع روسيا، أو التعاون مع إيران. علاقاتنا مع روسيا وإيران ليست على حساب الغرب وأميركا".
المصدر :جريدة الأيام