بقلم : حسن البطل
اضطريت (أليست أسلس من اضطررت؟) لإعادة قراءة متملية لبيان م/س الجبهة الديمقراطية، عشية اجتماع المجلس المركزي غداً، وكنتُ قرأته لماماً. كدتُ أضرب صفحاً عن القراءة المتملية، لولا ردّ عصبي على البيان من حركة "فتح".
جميع الفصائل لديها مكتب سياسي، بما في ذلك حركة "حماس"، لكن لـ" فتح" لجنة مركزية، وكنتُ أفضّل أن يكون ردّها على البيان باسمها، وليس باسم الحركة!
بكرة، اجتماع المركزي، الذي اشترطت "الديمقراطية" لحضوره، أن يسبقه اجتماع قيادي يحضره رئيس اللجنة التنفيذية، وفي ضوئه ستقرّر "الديمقراطية" حضور المركزي أو الاعتذار.
بيان م/س "الديمقراطية" هو رزمة من ثلاثة مواقف: العلاقة مع إسرائيل، المؤسسات الوطنية وإنهاء الانقسام.
تشتكي "الديمقراطية" من تعامل "المطبخ السياسي" للرئاسة الفلسطينية، مع قرارات "المركزي" و"الوطني" باعتبارها "توصيات" وليس قرارات واجبة التنفيذ وفق روزنامة خطوات، بخصوص العلاقة مع إسرائيل.
يطالب بيان م/س الديمقراطية بخطوات منها: سحب الاعتراف بإسرائيل. وقف التنسيق الأمني. فك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي(؟).. ووقف العمل باتفاق أوسلو(؟) إلى نقل القضية للأمم المتحدة، وطلب عضوية كاملة لفلسطين فيها.
هذه مطالب تبدو "راهنية" و"شعبية" ولكنها في سياق ظروفها تبدو "قصووية"، باستثناء طلب عضوية كاملة في الأمم المتحدة تعمل عليه المنظمة.
على صعيد المؤسسات الوطنية، لا خلاف على الاحتكام لمحكمة الجنايات الدولية. لكن، ماذا يعني "حكومة دولة فلسطين في المنفى"، بينما لا تتحمل المنافي العربية ثقل التواجد الفعّال لمنظمة التحرير الفلسطينية، أي وجود قوات فلسطينية، ناهيك عن جيش تحرير فلسطيني. لا توجد دولة عربية تقبل بـ"دولة داخل دولة" كما تشير تجربة الأردن ولبنان، ناهيك عن سورية!
كانت حكومة المنفى الفلسطينية قد أثيرت خلال الانتفاضة الأولى، لكن المنظمة أخذت عبرة من التفشيل العربي لحكومة "عموم فلسطين" بعد النكبة، وظروف الدول العربية بعد "الربيع العربي" لا تجعل فكرة حكومة المنفى أكثر واقعية مما سبق، بل أكثر صعوبة.
اعترفت معظم دول العالم، بقرارات الجمعية العامة، بدولة فلسطين في فلسطين، التي صارت مركز العمل الوطني على كل صعيد، فما هي الحكمة والضرورة لحكومة المنفى؟ أليس هذا نكوصاً؟
على كثرة فصائل المنظمة، وضعف عدد مقاعدها في البرلمانين المنتخبين، باستثناء "فتح" و"حماس" فإن فصائل "الجبهات الشعبية" وخصوصاً الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، شكلا الركنين الثاني والثالث من م.ت.ف. برنامج السلطة الوطنية شعاراتياً، منذ العام 1974، كان نتيجة توافق بين "فتح" و"الديمقراطية"، لكن "فتح" وفصيلين صغيرين فقط وافقوا على عملية أوسلو، وتشكيل سلطة وطنية، شاركت فيها كل الفصائل لاحقاً، لأن أوسلو كانت اعترافاً إسرائيلياً بمنظمة التحرير الفلسطينية، وليس بحركة "فتح"!
تعيدنا شروط "الديمقراطية" للمشاركة في "المركزي" إلى شروطها للمشاركة في الاجتماع الـ17 للمجلس الوطني، الذي أطلقت عليه "مجلس عمّان"، وكان أعضاء "الديمقراطية" يشكلون احتياطياً لتأمين النصاب القانوني لتلك الدورة المفصلية المصيرية بعد الانشقاق المدعوم من سورية.
يمكن القول إن بيان الديمقراطية انضم إلى سياسة "المزاودة" التي تتبعها الجبهة الشعبية كما حركة "حماس"، لكن هذا لا يبرّر ادعاء حركة "فتح" بأنه يعبّر عن "سياسة رخيصة" أو "أجندات مشبوهة خارجية"!
يطالب بيان "الديمقراطية" بمواجهة ميدانية لصفقة العصر الأميركية، علماً أن السلطة تقوم بمواجهة سياسية ناجحة ونشطة لهذه الصفقة منذ طرحها، وبعد أقل من ساعة على خطاب اعتراف الرئيس ترامب بالقدس، وتعترف أميركا بأن الموقف الفلسطيني منها هو الذي يعطلها، ويلجم الموقف الرسمي العربي لبعض الدول عن الموافقة عليها أو تمريرها.
بعد موافقة الكنيست على تشريع قانون أساس بأن إسرائيل هي "الدولة القومية للشعب اليهودي" تخشى إسرائيل أن تسعى فلسطين إلى تعليق عضوية إسرائيل (وهي عضوية مشروطة!) في الأمم المتحدة، وقد تنجح هذه المبادرة في الجمعية العامة، لكن نجاحها في مجلس الأمن سيعترضه "الفيتو" الأميركي، الذي تستخدمه واشنطن لنقض اعتراف مجلس الأمن بدولة فلسطين.
الشعارات والمطالب السياسية الصحيحة والشعبية، لا تصنع سياسة عملية ناجحة بالضرورة لأن الدبلوماسية والسياسة هي فن الممكن.
إسرائيل وأميركا تحاولان إلغاء فلسطين، وعملية أوسلو من أساسها، ومن غير المنطقي والسليم أن تلغي السلطة الفلسطينية و"دولة فلسطين" نفسها بنفسها!
العديد من برلمانات أوروبا الغربية أوصت حكوماتها بالاعتراف بفلسطين، وهي قرارات غير ملزمة لحكوماتها، وقرارات "المركزي" ستعتبر "توصيات" تعزّز من موقف "المطبخ السياسي" الذي يدير سياسة السلطة الفلسطينية.
الأمور من فوق غيرها من تحت.. والعكس صحيح!
المصدر : جريدة الأيام