بقلم - حسن البطل
ثلاثون سنة حافلة تصرّمت بين «كادوك عرفات» في باريس، و»كادوك كوشنر» في واشنطن. الأول كان يعني أن ميثاق منظمة التحرير بخصوص إسرائيل تقادم وعفا عليه الزمان، لكنه صدر بعد عام تقريباً من قرار المجلس الوطني في قاعة المؤتمرات في قصر الصنوبر الجزائري إعلان قيام دولة فلسطين، وبعد عام على اندلاع الانتفاضة الكبرى الأولى، تثنية على برنامج النقاط العشر؛ برنامج السلطة الوطنية الفلسطينية، بعد عام على حرب أكتوبر.
ذلك «كادوك» كان نافذة فتحت باب «اتفاق مبادئ أوسلو» بعد محطة مؤتمر مدريد، بحضور من باب موارب لمنظمة التحرير، وتلا ذلك أولى مفاوضات مباشرة إسرائيلية ـ فلسطينية أسفرت عن مفاجأة.
انهار «الظهير» العراقي، وكذا «الظهير» السوفياتي، وبعد انصرام للسنوات الخمس المقدرة لإعلان مبادئ أوسلو انهار بدوره، واندلعت الانتفاضة الثانية، وفي غمرتها صدرت «مبادرة السلام العربية» في بيروت بغياب ـ تغيب صاحب «كادوك» فلسطيني أول.
السلطة كادت تنهار بعد حرب اجتياح الجيش الإسرائيلي لمناطقها، لكن بطل حرب احتلال بغداد، الرئيس جورج بوش ـ الابن، أعلن «خارطة طريق» ثم بعد عام موضوعة «حل الدولتين».
يقول كوشنر في إعلان «كادوك» فشل «حل الدولتين»، وتسويقاً لحل «خارج الصندوق» يسمى «صفقة القرن»، إن مبادرة السلام العربية كانت محاولة جيدة للغاية، لكن صنع السلام على أساسها لم ينجح. لماذا؟ لأن إسرائيل غمغمت ومغمغت في قول «لعم» لها.
طويت صفحة «مبادرة مدريد» أو رباعيتها، واحتكرت أميركا بعد كامب ديفيد الفلسطيني ـ الإسرائيلي محاولات الحل، وبخاصة «حل الدولتين» الذي يعني إنهاء الاحتلال، علماً أن شارون نفسه وصفه بـ»الاحتلال» العام 2003، بينما وصفه طاقم «صفقة القرن» لاحقاً بأنه «سيطرة».
بعد انتخابه الرئيس 45 أبلغ ترامب رئيس السلطة التزامه بـ»حل الدولتين»، ثم قال، سيان لدولتين أو دولة واحدة، وأميركا توافق على أي اتفاق بين الجانبين.
بدأ انسحاب واشنطن من «حل الدولتين» بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعلى الفور مارست السلطة حق الرفض، لأن الاعتراف يخالف مبادئ اتفاق أوسلو، ومبادرة السلام العربية، وقرارات دولية، وحتى مواقف وسياسة إدارات أميركية سبقت إدارة ترامب.
آخر مبادرة سياسية أميركية لإنقاذ «حل الدولتين» تولّاها وزير الخارجية جون كيري العام 2014، وأحبطها نتنياهو، مع أنها تضمنت مشروع حل لأمن إسرائيل وضعه الجنرال جون ألن ومجموعة من العسكريين والسياسيين الأميركيين، وقبلتها السلطة الفلسطينية، بينما رفضتها إسرائيل.
في تبريره لانسحاب أميركا من «حل الدولتين» يقول كوشنر، إنها تعني شيئاً مختلفاً للإسرائيليين والفلسطينيين، مع أنها تعني شيئاً واحداً للفلسطينيين وللشرعية الدولية، لكن إسرائيل تدّعي أن دولة فلسطينية تشكل خطراً سياسياً وأيديولوجياً على إسرائيل، و»حل الدولة الواحدة» يشكل خطراً على يهودية دولة إسرائيل.
بينما تقبل إدارة ترامب بحق الرفض الإسرائيلي، وتُثني عليه بحق نقض «حل الدولتين»، لكنها ترفض حق الرفض الفلسطيني لـ»صفقة القرن».
حتى قبل مشروع هذه «الصفقة» اللعينة، قبل الفلسطينيون دولة منزوعة السلاح، ولكن ليس دولة منزوعة السيادة، كما قبلوا مبادلات جغرافية أرضية متبادلة.
«صفقة القرن» تعرض على الفلسطينيين حكماً ذاتياً محدود السيادة جغرافياً وأمنياً وإدارياً على جزء من الأراضي المحتلة، مع ما يشبه «مشروع مارشال» إقليميا وفلسطينيا للازدهار الاقتصادي.
أميركا لا تعترف رسمياً بمنظمة التحرير، وإزاء رفض السلطة للصفقة تهدد بسحب اعترافها بالسلطة الفلسطينية، وفتح خطوط اتصالات مع شخصيات وأطراف محلية هامشية تقبل بـ»الصفقة» كأن الأمور عادت إلى حقبة «روابط القرى» في ثمانينيات القرن المنصرم.
في المقابل، فالسلطة التي قطعت علاقاتها مع إدارة ترامب، تواصل اتصالاتها واجتماعاتها مع وفود سياسية وأكاديمية وثقافية، بما فيها أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي ومؤسسات المجتمع المدني.
يقول صائب عريقات لهذه الوفود، إن الصفقة مفهوم عقاري يحمل في طيّاته موافقة طرف على بيع ممتلكاته نتيجة الإفلاس، علماً أن أركان الصفقة الثلاثية هم عقاريون وهي تعني وجود رابح وآخر خاسر، لكن «حل الدولتين» السياسي هو اتفاق طرفين وأكثر على معادلة حل سياسي فيه ربح للجميع.
مضت ثلاث سنوات تقريباً على نية إعلان «الصفقة»، وطبخ بنودها بسرّية مفضوحة تدريجياً، وتم توقيت إعلانها حسب أنسب توقيت لإسرائيل.
يقول مراقبون، إن الفلسطينيين أمام خيار الاستسلام أو الانتحار إذا قبلوا، وإذا رفضوا، لكن هناك خيارا ثالثا هو تفشيل «الصفقة» برفضها، بانتظار رفض إسرائيل لأي تنازلات هامشية لـ»الصفقة»، في مقابل تنازلات جوهرية فلسطينية. هذه حرب أعصاب بين رهان إسرائيلي ـ أميركي على الرفض الفلسطيني، ورهان فلسطيني على الرفض الإسرائيلي.
إحصائية
ازداد عدد يهود إسرائيل 10.4 ضعف بين عامي 1984 و2019. ازداد عدد الفلسطينيين فيها 13.1 ضعف. اليهود من 650 ألفاً، والفلسطينيون من 150 ألفاً.