بقلم : حسن البطل
أربعة أحجار تطايرت بين الجولانين؛ وبين الجولانين جدار معدني يحيط بمدينة مجدل شمس، «نوارة» هضبة الجولان السورية المحتلة.
قد تقولون: فعلنا كما فعل حجر إدوارد سعيد الذي رماه على سور «بوابة فاطمة» بين الجنوب اللبناني والجليل الفلسطيني.. في نهاية الاحتلال.
قد اضيف: لكن الأحجار الأربعة المتطايرة بين الجولانين: المحتل والسوري، رماها أربعة فلسطينيين، لعلهم ـ للمصادفة أو بدونها، يمثلون الشعب الفلسطيني:
ريموندا العكاوية، ونصري المولود في عين الحلوة، وياسر خنجر ابن مجدل شمس.. وأنا الفلسطيني ـ السوري المولود في طيرة حيفا. تتعدّد الهويات ولا يتعدّد الانتماء!
تلة «الصياح» في جانب جولاني محتل، والتلة المقابلة لـ «الصياح» في الجانب السوري.. ولجبل الشيخ ـ الحرمون أن يعكس صدى صياح مناداة الحال بين ناس الجولان المفصولين بالاحتلال.
دمشق العروبة تنام في حضن جبل قاسيون الأجرد، وأما نوارة الهضبة المحتلة، مجدل شمس، فتسند رأسها على سفوح جبل الحرمون الأجرد.
لا يبدو الحرمون ـ الشيخ للعين المجرّدة، كما كان يبدو لنا على خرائط طبوغرافية ـ جيولوجية كنا ندرسها في كلية الجغرافية والجيولوجيا بجامعة دمشق. لكن تمثال سلطان باشا الأطرش، وسط المجدل، يبدو كما كنا رأيناه في جولة مدرسية قبل الاحتلال، أي قبل نصف قرن ونيّف. برهة في عينيك يا رب!
لم ألتفت، قبل الاحتلال، إلى خلفية التمثال، والسلطان شاهراً سيفه، حيث يوجد مكان لولد صغير يحمل حقيبته المدرسية على منكبه.
لعلّ دليلنا إلى «تاريخ» النوارة، سلمان فخر الدين، كان في عمر الولد الصغير، وصار كهلاً ستينياً يروي لنا كأنه «موسوعة» المكان وأهله وأحوالهما.. وأبداً، يعتمر الـ: «بيريه» ذات النجمة الحمراء الغيفارية، شعار الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.. إنه يتذكر عملية «مناجل الشمال» الفدائية في الجولان أول الاحتلال، التي قادها أخي المقاتل «أبو مشهور» قال: ما اسمه: قلت سعيد البطل. قال: أتذكر!
سلمان يُكنّى «أبو فرات»، وهو والده صحافي جولاني راحل استحق جائزة تكريم فلسطينية معلّقة في صالون بيته.
ليكن، أن العَلَم الدرزي له ألوان قوس قزح؛ وليكن أن العلم الفلسطيني له ألوان الثورة العربية الكبرى.. وليكن أن الكل تحت احتلال يختلف: دروز الجولان، وفلسطينيو السلطة، ومسيحيو الجليل ومسلموه.
بيوت مجدل شمس متلاصقة و»مكدّسة»، فلا مخطط للتوسع العمراني، وبيوت مستوطنة «كتسرين» «مرحرحة». الأولى ذات الـ11 ألف ساكن وهي كبرى تجمعات الـ25 ألف جولاني سوري في القسم المحتل (مع أربع قرى أخرى)؛ والثانية هي «عاصمة الاستيطان» ومجموع المستوطنين 20 ألف إسرائيلي، والعلاقة بين هذه وتلك مقطوعة كالعلاقة بين مستوطنات الضفة ومدنها وقراها الفلسطينية.
تحيط بدمشق جنة خضراء هي «الغوطتان»، ويحيط بالمجدل، «نوارة الهضبة» جنة من أشجار التفاح والسفرجل وداليات العنب وأشجار التين، حملنا منها إلى رام الله زاداً وافراً من أشهر أنواع التفاح والسفرجل من حقول المناضل سلمان فخر الدين، موسوعة تاريخ الجولان، بعد عزومة سخيّة وشهيّة في بيت سلمان، الذي اكتشفنا أنه يجيد رقصة «السيرتاكي» الإغريقية كما أداها أنطوني كوين في فيلم لا يُنسى!
لسان الحال السياسي لدروز الجولان؛ كما لسان حال أغلبية الفلسطينيين في الجليل؛ كما لسان حال أغلبية الفلسطينيين في السلطة الفلسطينية؛ مع الدولة السورية، لكن ليس تماماً مع النظام السوري، وأبداً، ليس مع الاحتلال في الجولان وفي الضفة الغربية. يوحّدنا لسان الضاد، كما ويوحّدنا أننا تحت احتلال لا يختلف في الجولان عنه في الضفة، ويختلف في الجليل قليلاً أو كثيراً، والجميع يوحّدهم الهمّ الفلسطيني، أو ما يقوله الشاعر طاغور: «المجهول هو الحرية الدائمة»!
الشاعر ياسر خنجر، ابن المجدل، والذي أمضى سبع سنوات في السجن من العام 1997 لا يتفق تماماً مع أرسطو في قوله: «الشعر أصدق من التاريخ». قال في احد دواوينه الثلاثة: «كل الأماكن ترحل بحثاً عن الوطن المسافر في دمي».. مسافر عبر تاريخ فلسطين.
قال شيخ في مدينة الطيبة ـ المثلث: المكان هو الثابت، والغزاة يأتون ويذهبون.. هذه هي «دورة الزمان».
بعد احتلال الجولان، ذهبت أمي إلى النازحين من الجولان و»عزّرتهم»: الويل لكم.. الم تتعلموا من هجرتنا بعد النكبة؟ بدكم مائة سنة حتى تعودوا.. إن عدتم!
الاحتلال وحّد ناس الجولان المحتل بناس الجليل، كما وحّد ناس الجليل بناس الضفة، ولكن عندما وحّد جنوب لبنان بالجليل وبالجولان فشل.. وسيفشل الاحتلال في الفصل بين الجولان والجولان، وفي الفصل بين ناس الضفة وناس الجليل والمثلث، لأن الجميع هم عرب، والشعب الفلسطيني واحد.. هذا ما تقوله جولة جليلية ـ جولانية، بدأت من رام الله وانتهت في نابلس.. فرام الله!