نوارة أينعت وذوت
آخر تحديث GMT 21:12:46
 فلسطين اليوم -

نوارة أينعت وذوت

 فلسطين اليوم -

نوارة أينعت وذوت

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

هكذا يكفيني من حياته: صفحة تاريخه وصفحة وجهه.. والصفحتان ناصعتان. هذا يكفيني من موته: نوّارة في تابوت. سأقول: نوارة بيضاء تشبه شعره الحليبي، وتابوت بازلتي، لأن لون تابوته كان من لون البازلت. .. او سأقول: نوارة تشبه زهرة الفليفلة في قوارة على شرفة بيتي. الوردة تتبرعم، تتفتح ثم تذبل. النوارة تتبرعم، تتفتح .. ثم تحبل ثمرة صغيرة.
لماذا ليس لوجه سليمان النجاب نوارة البندورة، مثلاً، أو نوارة الباذنجان والكوسا؟ لأن ضحكته بيضاء مثل نوارة الفليفلة، ولأن ضحكة نوارات الباذنجان والكوسا والبندورة ملونة .. ووقحة بعض الشيء.

لماذا لتابوت سليمان النجاب لون البازلت: أسمر داكن، أقل درجة واحدة او درجتين من السواد؟

فجأة، رأيت سمرة سحنة وجهه الداكنة (تابوته)، وشعره الأبيض الناصع (ضحكته) في مشهد شتوي جولاني. لم أر الجولان مكللاً بالبياض الثلجي منذ النكسة الحزيرانية. بالضبط، على حافات وادي الرقاد (أو ان اسم الوادي تحوّر فيَّ قليلاً على لساني):
"طيور صنين تشتاق إليك / وعندما يغرق الوطن في السواد / ستكون أنت الاشارة والطريق".
هكذا رثت شاعرة رفيقها الفنان هاني جوهرية، الذي سقط في عينطورة، على جبال صنين، إبان الحرب الأهلية اللبنانية.

البلاد غرقت في السواد منذ النكبة، أو غرق جيل النكبة في السواد منذ النكسة. غير أن رجلاً، مثل سليمان النجاب، عرف النكبة والنكسة، الحرب الأهلية اللبنانية والانتفاضة الفلسطينية، الخروج من لبنان .. والدخول الى الوطن.
رجل من قرية جيبيا لم يغرق، يوماً، في السواد. أغرق حديقة بيته بالورود من كل لون وصنف.
.. ولم أزر حديقة داره. أخلفت دعوتين حاسمتين لسببين طارئين، واعتذرت عن عشرات الدعوات بعد كل مصافحة .. حارة دائماً؛ بعد لقاء .. عابر دائماً.
لعلني، في قرارتي، خفت إن لبيتُ دعوته حديثاً يجرنا الى الرفاق من "فصيل الأنصار". كانوا رفاقه او تلامذته.. وكانوا أصدقائي في السمر الطويل، او زملائي في العمل الطويل .. وكان يرد ذكرُه قطعاً: الرفيق سليمان النجاب.

.. وكانوا مقاتلين، وكانوا قتلى .. وكانوا شباباً يموتون شباباً، وكانوا مثل رضيع عملاق نقمطهم في توابيت خشبية، وكانت زينة موتهم واحدة: علماً صريحاً، علماً رباعي الألوان.
صار الموتى يسافرون، في زمن الانتفاضة، على محفات مكشوفة. يقولون: هكذا العرس في الحياة صاخب؛ هكذا الموت في النضال صاخب.
صاحب الضحكة البيضاء (جعفر صدقة يقول: صاحب القلب الأبيض). صاحب الشعر الأبيض، والوجه البازلتي تقريباً.. سافر في تابوت عابس؛ عابس لأن لون التابوت عابس.

نوارة هشة أينعت وذوت، ذوت سريعاً نسبياً، في تابوت يخرج من مقر حزبه. هكذا، تقاليد نقل الموتى في بلد بالطائرات الى بلد آخر.
علَم صريح واحد رباعي الألوان، لا يكشف الا القليل من تابوت بلون البازلت. الوقت يسمح ومنصب الميت يسمح .. بالعودة قليلاً الى تقاليد التشييع الصامت: لا هتاف. لا نحيب .. ولا رصاص. بل تمشي الجنازة بخطوات جنائزية، والمشيعون يمشون بخطوات جنائزية. دون صوت تسقط نوارة الخضراوات، دون صوت تنمو ثمرة الفليفلة، البندورة، الخيار .. والكوسا.

في زمن النكبة كان في سن أولاد الانتفاضة، وفي زمن النكسة كان في شرخ الشباب، وفي زمن العودة .. كان في سن الأطفال الصغار. كلما كبر الرجل الثوري عاد الى طفولة الروح.
وكان يكفيني أنه لا يحاسبني على ما اقترف قلمي من شطحات، وكان يكفيني منه أن صفحة تاريخه هي صفحة التحالفات الوطنية.. وأن ضحكته تملأ صفحة وجهه، وأن الشيوعيين الفلسطينيين كانوا رواد الاستقلالية الوطنية، والكيانية الوطنية.. وكانوا وما زالوا يضعون البرنامج الواقعي جداً، قاعدة صلبة من أجل الحلم العريض جداً. خلافاتهم رفاقية .. وتحالفاتهم رفاقية .. وانشقاقاتهم، ايضاً، رفاقية.

كان الرفاق خير الأصدقاء، فلا تجد في لحمة الرفيق والصديق مكاناً لتزرع وردة "المواطن".
.. كان سليمان النجاب رفيقاً قبلي، ومات مواطناً قبلي. شابَ شعرُه قبلي .. ربما ليليق شعرُه الأبيض بضحكته البيضاء جداً.
نعرف ان الغياب غروب، وان بعض الغياب كسوف.. وأن الليل الطويل في آخره .. وان سليمان النجاب كان "نوارة" عادت الى تراب الأرض، تراب أرض - أرض بتابوت عابس جداً .. وانه مات كهلاً، وكان طفلاً.

قد يهمك أيضا : 

  "هومو سابين يرى نُذر الآخرة"

الحزمة الساعية 25 ؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نوارة أينعت وذوت نوارة أينعت وذوت



GMT 22:40 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... وما ورائيات الفوز الكبير

GMT 21:38 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

سيمافور المحطة!

GMT 21:36 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

يراها فاروق حسنى

GMT 21:34 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

«بكين» هل تنهي نزاع 40 عاماً؟ (2)

GMT 21:32 2023 الإثنين ,13 آذار/ مارس

ماذا حل بالثمانيتين معاً؟

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 12:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 فلسطين اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 08:51 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 21:38 2020 الأحد ,03 أيار / مايو

حاذر التدخل في شؤون الآخرين

GMT 06:51 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحمل" في كانون الأول 2019

GMT 07:28 2020 الخميس ,18 حزيران / يونيو

«الهلال الشيعي» و«القوس العثماني»

GMT 01:18 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة "أيقونة" رفع الأثقال بعد صراع مع المرض

GMT 22:54 2016 الجمعة ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أصحاب دور العرض يتجهون إلى رفع "عمود فقرى" من السينما

GMT 10:32 2020 الأربعاء ,20 أيار / مايو

فساتين خطوبة للممتلئات بوحي من النجمات

GMT 16:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

أحدث تصاميم ديكور لحدائق المنزل

GMT 17:03 2019 الأربعاء ,13 شباط / فبراير

اعتقال موظف وعشيقته داخل مقر جماعة في شيشاوة

GMT 12:46 2019 الخميس ,24 كانون الثاني / يناير

العقوبات الأميركية تطال منح الطلاب الفلسطينيين في لبنان
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday