بقلم : حسن البطل
زميلي خالد سليم، من طاقم تطوير وسائل الإعلام - جامعة بيرزيت، سوية مع زميلي عماد الأصفر، كتب على صفحته في الفيسبوك انه لا يستذوق شعر «أمير الشعراء» في عصره، أحمد شوقي!
لا أذكر من شعر «الأمير» سوى قصيدته التي فيها: «سلام من صبا بردى أرقّ / ودمع لا يكفكف يا دمشق». الدمع العربي غزير على دمشق، والدم في سورية اكثر غزارة، زمن قصيدة شوقي كان وقت القصف خلال الانتداب الفرنسي. لكن جاء دمشق زمن وازمان، قبل زمن الدمع والدم، وقال فيها الشاعر الفلسطيني محمود درويش شعراً كما قال غيره شعراً مغنى من الشعراء المعاصرين. قال درويش «أعدّ اضلاعي فيهرب من يدي بردى / وتتركُني ضفافُ النيلِ مبتعدا /وأبحث عن حدود أصابعي / فأرى العواصم كلها زَبَدا».
هل نتفق؟ عراقية هي القص
يدة العربية الجديدة في فجرها مع السياب ونازك الملائكة، هذان شاعران لا يختلف الناس في ريادتهما .. لكن في جامعة دمشق، كان طلاب من العراق يختلفون في استذواقهم لشعر محمد مهدي الجواهري، او شعر عبد الوهاب البياتي (لا اعرف من منهما أنشدَ الأسد الأب «يا حافظ العهد»؟
في بيت صديقي الراحل، الشاعر فيصل قرقطي، مجموعة دواوين للبياتي قلبتها عشوائيا، ثم لم أستذوق ما فيها من شعر. الشعر الحقيقي له معدن الذهب لا الحديد والفولاذ.
في مرحلة لاحقة، صارت القصيدة العربية لبنانية في مجراها، مع يوسف الخال، وادونيس، وانسي الحاج .. وآخرين مثل محمد مهدي شمس الدين.
الآن، ربما تبدو القصيدة العربية فلسطينية مع محمود درويش وله قول لا يعرفه الكثيرون عن شاعر عربي كبير آخر ومعاصر، هو: لا يوجد في شعره ماء.
درويش وادونيس، وغيرهما، يتفقون على أن المتنبي رائد من رواد الحداثة في الشعر، لقوله: «كأن الريح تحتي».
«هل غادر الشعراء من متردم» نعم .. لكن حتى في زمن المعلقات السبع بماء الذهب في الكعبة، هناك لعنترة صورة شعرية جميلة عن فروسيته، «هلاّ سألت الخيل يا ابنة مالك» وعن فرسه صورة إنسانية لا اجمل منها: «فازورّ من وقع القنا بلَبانه / وشكا إلي بعبرة وتحمحُم. لو كان يدري ما المحاورة اشتكى / ولكان لو علم الكلام مكلمي».
هذه الصورة أجمل من قول شاعر عن فرسه: «مكر. مفر. مقبل. مدبر معا / كجلمود صخر حطه السيل من عل».
رقّ الشعر العربي مع الشعر الأندلسي (ولاحقاً مع سعيد عقل) ومنه قول ولادة بنت المستكفي عن حبيبها ابن زيدون: «أغار عليك من عيني ومني / ومنك ومن زمانك والمكان. ولو أني خبَأتُك في عيوني، الى يوم القيامة ما كفاني».
وكذا قولها: «انا والله أصلح للمعالي / وأمشي مِشيتي وأتيه تيها. أمكّن عاشقي من صحن خدّي / وأُعطي قبلتي من يشتهيها». هذه ابنة خليفة!
تذوق الشعر يختلف من قارئ واحد لآخر، واستذواقه يختلف في القارئ نفسه من ظرف الى آخر، مثلاً مع المحنة السورية الراهنة يمكنك تذوق شعر سوري كتبه محمد الماغوط او بالذات نزيه ابو عفش قبل المحنة.. كما يمكن تذوق ما كتبه شاعر «مجهول» آخر هو رياض الصالح حسين، الذي مات قبل محنة بلاده.
رياض الصالح حسين، شاعر سوري شاب. ولد ١٩٥٢ ومات مريضاً ١٩٨٢. شارك مع الشاعر الفلسطيني خالد درويش في اصدار «الكراس الادبي» الذي صدر منه ٩ اعداد، ثم توقف لاعتقال اغلب المشاركين فيه. هاكم قصيدتين له:
الدراجة
الولد فوق الدراجة
سعيداً، ضاحكاً، منتشياً
يدور في فناء قبره
حين كان حيّاً
سقط عن الدراجة ومات
الولد في فناء قبره
يدور بدراجة من عظام
سعيداً، ضاحكاً منتشياً
لم يمت الطفل وإن مات
ولم يعش الطفل وان عاش ثانية
إنني أتنفس
ومنذ أن ولدتُ بلا وطن
ومنذ ان اصبح الوطن قبراً
ومنذ ان اصبح الكتاب معتقلاً
ومنذ أن اصبح المعتقل حلماً
ومنذ ان اصبح الحلم وطناً
بحثت عن غرفة صغيرة وضيقة
استطيع فيها التنفس بحرية
انني اتنفس بحرية
في غرفة صغيرة وضيقة
اخلع ثيابي وأنام
اخلع قدمي وأقوم بنزهة تحت غيار السرير
مفتشاً عن بقايا أطعمة
وقطط تحب المداعبة