بقلم : حسن البطل
كان الرائع حسين جميل البرغوثي قد بحث في معاني «المربّع العربي» العمراني للبيت العربي، ومضاعفته في «المثمّن» وفي البال أن «الزمن» هو البعد الرابع يضاف للأبعاد الثلاثة: الطول، العرض.. والارتفاع.
هل كان هذا في بال حسين سليم العطاري، الذي أتحفنا برباعية كُتب هي سلسلة أغاني الدبكة الفلسطينية، أم أن دار النشر «الرقمية» سلسلت ما يشبه موسوعة تراثية شفهية صغيرة على أربعة كتب!
لعلها ليست المحاولة الرائدة في تحويل التراث الشفهي الفلسطيني إلى عالم الكتب المطبوعة، لكن قد أزعم أنها أكملها وأحسنها، طباعة وإخراجاً وتحريراً في مجالها.
قلت إنها «فاخرة» لأنها جاءتنا بغلاف مزدوج ورقي يغلف غلافاً سميكاً، ولأن طباعتها كانت على ورق صقيل ممتاز.. وأخيراً، ذات تصميم غلاف شعبي يعبّر عن مضمونها، صمّمه رمزي الطويل.
ثلاث جهات أثمر تعاونها في إنجاز ما يشبه موسوعة مرجعية لجانب من التراث الشعبي الفلسطيني. «زريف الطول»، «الدلعونة»، غزيّل وجفرا».. و»الزغاريد».
تلفتك عناية غير معهودة في الإخراج الفني، وكذا تعريف برباعية كتب السلسلة، التي هي إهداء مفتاحي لمفرداتها الثرية للقرّاء العرب، أي تعريف غير القرّاء الفلسطينيين بمعاني المفردة الفلسطينية المنطوقة، وبحرف أحمر الطباعة.
دار النشر «الرقمية» الناشئة كان لها ريادة نشر «الوارث»، أول رواية فلسطينية لرائدها خليل بيدس.. الآن، تتعاون مع وزارة الثقافة، ودار نشر «المتوسط» في إيطاليا في إصداراتها. ومع رباعية «سلسلة أغاني الدبكة الفلسطينية»، امتد التعاون إلى «الصندوق الثقافي الفلسطيني» ولعلها، حسب علمي المتواضع في مسائل النشر، أول مشاركة للصندوق هذا في تمويل العمل الثقافي.
لمّا قرأت عن صدور السلسلة في الجرائد، تخيّلت أنها ستكون ذات طبعة شعبية لجانب من جوانب التراث الشعبي الشفهي الفلسطيني، مثل كتاب «قول يا طير» عن الخرافيّات الشعبية، الذي صار مرجعاً للحكاية الشعبية يختلف رواتها في سردها حسب المناطق (مثلاً: أمي المرحومة تروي خرافية «جبينة» غير ما يرويها الكتاب).
أغاني الدبكة ليست خرافيّات، ففي كل سلسلة من رباعيتها بحث عن تعداد أشكال الدبكات في البلاد، وعن أصول لفظة «الدلعونة» وإضاءة لـ»غزيّل» و»جفرا».
في الحقيقة، قرأت ما كتب عن سلسلة أغاني الدبكة في الصحف، ثم تصفّحت الرباعية لما أهداها مدير «الرقمية» فؤاد العكليك إلى قيّم مكتبة جامعة بيرزيت، معتصم عفانة، فإلى طبعة فاخرة على ورق فاخر، وغلاف مزدوج، لفتني أن كل قسم من اقسامها تعلوه «بصمة» الكترونية تسهّل عليك قراءتها على الهاتف المحمول الذكي، كما هو حال «بصمة» جريدة «الأيام» مثلاً، الفلسطينيون يدبكون كأهل بلاد الشام، ودبكاتهم تتطور فنياً على المسارح، لكن الأغاني المرافقة هي كما هي تقريباً، مع مفردات تختلف قليلاً من بلد لآخر حسب لهجاتها المحلية.
لكن، لا مقارنة بين جماليات الدبكة ورقصة «العرضة» الخليجية وسيوفها مثلاً، وكذا مع غياب جمالية رقصات اليهود الإسرائيليين، فالتراث الشعبي هو من بين ما نتفوق به على الإسرائيليين، وبخاصة التراث الشفهي والفولكلوري.
يسهل ترجمة المفردات الفلسطينية الشعبية إلى العربية الفصيحة، لكن يصعب ترجمة أغاني الدبكة إلى اللغة العبرية، وللبنانيين والسوريين مثلاً أن يهزجوا في دبكاتهم بلهجاتهم.
BDS و«مناهضة التطبيع»
فلسطين وإسرائيل في حالة اشتباك على غير صعيد، لكن هذه الـBDS تُسهم في الاشتباك بمعايير «مناهضة التطبيع».
لم تهدأ دعوتها للمقاطعة والتسبب في حظر عرض فيلم «القضية 23» اللبناني ـ الفلسطيني، حتى بدأت دعوة لمقاطعة الفيلم الروائي الفلسطيني: «التقارير حول سارة وسليم» لأنه «تطبيعي» لمشاركة ممثلين من إسرائيل وفلسطين فيه. لماذا لا؟
فيلم المخرج اللبناني الفرنسي الدويري على قائمة المرشحين لأوسكار الفيلم الأجنبي، بعد فوزه في مهرجانات دولية سينمائية.
فيلم «سارة وسليم» فاز بجائزة الجمهور من مهرجان روتردام السينمائي، ويروي قصة عشق بين الإسرائيلية سارة والفلسطيني سليم، وفاز بدعم صناديق سينمائية عربية وفلسطينية ودولية، ومن بين المشاركين الفلسطينيين كامل الباشا، الذي فاز في فيلم «القضية 23» بجائزة أحسن ممثل.
لما نجحت مقاطعة عرض فيلمه في مهرجان «أيام سينمائية» في فلسطين، اتخذ الباشا موقفاً سلبياً وحاداً من BDS.
سبق لأفلام إسرائيلية ناقدة لها أن فازت في مهرجانات دولية، وفاز فيلم «فوكستروت» بمهرجانات إسرائيلية، وهو يتعلق بنقد سياسة الجيش إزاء الفلسطينيين، لكنه فشل في دخول مسابقة الأوسكار، ربما تحت ضغط حكومي إسرائيلي، وأبدت وزيرة الثقافة الإسرائيلية ارتياحها لذلك.
شخصياً، أظن أن BDS على صواب في حملة المقاطعة الاقتصادية بالذات، وكذا الأكاديمية، أيضاً، لكن هذا لا يعني الانسحاب من الاشتباك الثقافي على «الجسر السينمائي».
صار عرب وفلسطينيون يصنعون أفلاماً جيدة فنياً عن الاشتباك في الروايات السينمائية، ومن حق الجمهور أن يرى وأن يحاكم ويحكم، دون وصاية BDS.
مع ذلك، أدعم حملة BDS لجائزة نوبل للسلام.
المصدر : الأيام الفلسطينية