هل أقول: ألقى أبو مازن خطاب حياته في الدورة الـ28 للمجلس المركزي؟ صحف إسرائيل تقول: هذا خطاب "يحطم الأواني"!
الخطاب مزيج قليل من نقاط مكتوبة، ومعظمه من الذاكرة.. وخارج النص كما نشرته الصحف الفلسطينية.
الصحف الإسرائيلية التقطت من الخطاب عبارة موجهة للرئيس ترامب "يخرب بيتك" قالها رداً على زعم ترامب: الفلسطينيون يرفضون المفاوضات؟ الجواب: متى رفضنا المفاوضات؟ لذلك "يخرب بيتك"، وهي تعني "غصّ بالك" الدارجة بالعامية الفلسطينية، وبالفصحى: "اسكت".. أو "اخرس" أو "تبّاً لك"!
ماذا أيضاً؟ في "الفيسبوك" ما يشبه "همروجة" لغط حول هل دُعي القنصل الأميركي في القدس، أو اعتذر عن الحضور؟ ومن ثمّ، قبل نصف ساعة من بدء الاجتماع المركزي، أعلن 14 من أمناء حركة "فتح" مقاطعة الحضور كمراقبين، فهم ليسوا أعضاء.
اعتدنا سفاسف "حماس" السياسية في أسبابها للاعتذار والمقاطعة.. والمزاودة الشعاراتية، ويبدو أن أمناء حركة "فتح" وقد سجلوا موقفاً، غاب عنهم ضرورة "التجسير" بين البروتوكول والدبلوماسية، كما يغيب عن "حماس" التجسير بين الدبلوماسية والسياسة.
سبق ذلك، لغط أكثر صخباً بعد المقاطعة الشعبية للبطريرك ثيوفيلوس، وحضور بروتوكولي لرئيس السلطة احتفال الطوائف المسيحية الأرثوذكسية إلى جانب البطريرك.
هناك فرق بين مقاطعة السفير الأميركي المتصهين لدى إسرائيل، حتى قبل الموقف القاطع للسلطة من خطاب الاعتراف الترامبي بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبين دعوى ملتبسة وواجبة بروتوكولياً للقنصل الأميركي في القدس.
السفراء يعيّنهم، أو يعتمدهم، رؤساء دولهم، أمّا القناصل فهم موظفون في وزارة خارجية بلادهم.
هل لاحظنا؟ فيما سبق كان وزراء خارجية الولايات المتحدة هم من يتولى دور الوساطة بين إسرائيل وفلسطين، لكن وزير الخارجية الأميركية الحالي، ريكس تيلرسون لا دور له ولا شأن في طاقم مشروع "الصفقة" الترامبية!
الأزمة الملتبسة حول دعوة القنصل الأميركي، الذي لم يحضر في كل حال، تذكرنا بحضور الرئيس كلينتون عام 1997 اجتماعاً ملتبساً للمجلس الوطني عقد في غزة، بناء على طلب نتنياهو، الذي قال إن موافقة السلطة على الاعتراف بإسرائيل ملتبسة، وكذلك تعديل الميثاق الوطني للمنظمة.
في حينه أبدى الرئيس كلينتون إعجاباً بطريقة عمل الديمقراطية الفلسطينية، التي جمعت في جلسة غزة مزيجاً غريباً من أعضاء برلمان المنظمة ومجلسها المركزي، وشخصيات اعتبارية، ومستقلة.
لا يوجد سفراء للاتحاد الأوروبي لدى دولة فلسطين المعلنة، بل للاتحاد قناصل معظمهم في القدس الشرقية، وهؤلاء طالما أصدروا بيانات ضد الاستيطان، ودعوا إلى الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة فلسطين، وكان هذا الموقف هو ذاته في تصويت أعضاء الجمعية العامة الأخير حول اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
كان على أمناء حركة "فتح" أن يدركوا أهمية "التجسير" بين البروتوكول والدبلوماسية، كما على "حماس" أن تدرك ضرورة " التجسير" بين الدبلوماسية والسياسة، وبين الشعار الوطني والموقف السياسي.
الرئيس ترامب أخبر رئيس السلطة نيته الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وردّ أبو مازن عليه بعد ساعة من خطاب الاعتراف، فحذّر ترامب، كما ممثلة أميركا في الأمم المتحدة أنه ستكون هناك عواقب و"عقوبات" على السلطة الفلسطينية.
عشية جلسة الجمعية العامة الأخيرة، التي وجهت "صفعة" لترامب، كما قالت السفيرة الأميركية، وجّه مراسل فلسطيني سؤالاً للناطقة الرسمية لوزارة الخارجية، حول اعتزام أميركا قطع مساهمتها في ثلث ميزانية "الأونروا" كان السؤال: لماذا؟ علماً أن هذا موقف يعادي الشعب الفلسطيني، لأن "الأونروا" تشكلت عام 1949 قبل تشكل المنظمة والسلطة الفلسطينية.
صحيح، كما تقول إسرائيل: إن "الأونروا" منظمة فريدة بين منظمات اللاجئين، لكن لا توجد حالة لجوء دولية تشابه حالة لجوء اللاجئين الفلسطينيين، لأن قيام دولة إسرائيل ألغى وجود كيان سياسي للشعب الفلسطيني.
بين دول تعترف ببعضها فيما بينها، هناك حالة "قطع العلاقات" أو سحب السفراء، لكن سياسة ترامب والرد الفلسطيني القاطع عليها، هو بمثابة "قطيعة" سياسية وكانت دعوة القنصل الأميركي، دونالد بلوم، بمثابة "شعرة معاوية" بروتوكولية، له أن يلبيها أو يعتذر عنها، لأن المجلس المركزي جزء من المنظمة، وأميركا لم تسحب اعترافها بالمنظمة، وليس "المركزي" مؤتمراً آخر لحركة "فتح" كما مؤتمر "الليكود" الذي أوصى حكومة إسرائيل بتطبيق القانون الإسرائيلي على المستوطنات، أي ضمها قانونياً.
هناك مطالبات فصائلية وشعبية للسلطة بالانسحاب من أوسلو، لكن رئيس السلطة أبلغ "المركزي" أن إسرائيل أنهت أوسلو عملياً، وهذا يعني، ضمناً، أن السلطة في حِلّ من التزام قيود أوسلو. هكذا تكون السياسة والدبلوماسية والبروتوكول.
ترامب هذا
متى يمكن عزل ترامب، وفقاً للتعديل 25 من الدستور؟ .. هذه مسألة دستورية أميركية لا شأن لنا بها.
أعجبتني سخرية الصحافي البريطاني المحنّك ديفيد هيرست، من توقيع ترامب، الذي يشبه "المشط"، وكانت قد أعجبتني سخرية جان جينيه من حروف اللغة العبرية، التي تشبه عدّة معلقة للنجار والحدّاد.
.. ولا تعجبني سفاسف الفصائل الفلسطينية البروتوكولية والسياسية والوطنية والاستراتيجية، أيضاً!
نقلًا عن جريدة الأيام