راحت أمي، رحمها الله، تتحسّر، في إحدى زياراتها القبرصية لي، قبل الانتفاضة الثانية وأوسلو؛ يمّه شو راح منّا شباب كثير.. أخوك وولاد خالتو وصحابو. قلت: يعني لازم نبطّل. قالت: "إيش" يا ولدي. طريقنا ومشينا فيه.. ولازم نكفّيه"!
في آخر استطلاع رأي فلسطيني، فاضل البعض بين حالنا ما قبل وما بعد أوسلو. أنا لا أوافق البعض الذي تحسّر على حالنا ما قبل "أوسلو". كما لم أوافق على رأي دعاة تسليم المفاتيح للاحتلال، وحلّ السلطة، ولا على اجتهاد فصيل فلسطيني لـ "تفعيل المنظمة" بتشكيل حكومة فلسطينية في المنفى.. لا عودة للوراء.
يمكن لأمين سر ل. ت/ م.ت.ف أن يرى، بعد ربع قرن على "أوسلو" أن الاعتراف المتبادل بين المنظمة كممثل سياسي للفلسطينيين، وبين الاعتراف بدولة إسرائيل، كان من أخطاء المفاوض الفلسطيني.
يمكن لبعض الأوسلويين الإسرائيليين أن يروا أن أهم ما في بنود "إعلان مبادئ اتفاق أوسلو" هو هذا الاعتراف المتبادل غير المنصف والمتعادل!
كم حاولت هذه الدولة العربية أو تلك تشكيل فصائل معارضة لحركة "فتح" ثم تشكيل تجمّع فصائلي يعارض سياسة قيادة المنظمة ورئيسها، مثل "جبهة الصمود والتصدي". جميع المحاولات العربية لتشكيل بديل من المنظمة أخفقت.. وكل انشقاق فشل!
أيضاً، فشلت إسرائيل في تشكيل بدائل محلية لمنظمة التحرير، مثل "روابط القرى".. ثم دعمت تشكيل فصيل إسلامي ينافس م.ت.ف "العلمانية"!.. لكن محاولات الانشقاق في المنفى غيرها محاولات الانشقاق في البلاد.. ومنذ 11 سنة تتعثر محاولات "الصلحة" و"رأب الصدع" وانضواء "حماس" إلى مظلة "الممثل الشرعي" للشعب.
في 6 كانون الأول 2016، بدأ مسار صدام فلسطيني ـ أميركي، باعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. منذ ذاك اليوم، بدأت واشنطن إجراءات ضغط عقابية متتالية، ضد القضية والسلطة، ثم ضد الشعب، ثم ضد م.ت.ف بإغلاق ممثليتها في واشنطن، وطلب ترحيل ممثلها على الفور، رغم أن إقامته شرعية حتى أربع سنوات أخرى.
يبدو أن سلسلة الضغوط الأميركية، وفق عقلية ما لا يمكن تحقيقه بضغط قد يمكن تحقيقه بضغط أشد، قد تصل حد سحب اعتراف الإدارة الأميركية بمنظمة التحرير، ما سيشجع إسرائيل، التي رحّبت بإغلاق الممثلية الفلسطينية، بسحب اعترافها بالاعتراف المتبادل بين المنظمة ممثلاً سياسياً، وبين دولة إسرائيل.
قال نتنياهو في العام 2002، إبّان اجتياح شارون لمناطق السلطة، إن "أوسلو" قد انتهت، وهو أصلاً، كان ضدها نائباً في الكنيست، كما كان ضد معاهدة سلام كامب ديفيد المصرية ـ الإسرائيلية.
يتردّد، الآن، أن بعض معارضي السلطة والمنظمة يريدون "احتلال" مبنى الممثلية في واشنطن، كما عُقد اجتماع في أوروبا بين فلسطينيين ومستوطنين وأوروبيين لتشكيل جسم سياسي مناوئ للسلطة والمنظمة.
تحوّل عرفات من "شريك" إلى شخص "غير ذي صلة"، ثم تحوّل عباس إلى "غير ذي صلة".. ويقول فريق "الصفقة الكبرى" إنها ستمشي سواء بمشاركة السلطة والمنظمة، أو من دون مشاركتهما!
هل تثمر العقوبات والضغوط الأميركية ذات الدوافع والمنشأ الإسرائيلي عن "انهيار السلطة" وتحقيق بديل عن المنظمة، علماً أن السلطة سليلة المنظمة، ولا يمكن إعادة "تفعيل" المنظمة حال انهيار السلطة أو حلّها و"تسليم المفاتيح" للإدارة المدنية" الاحتلالية؟
لا يمكن عودة الأمور إلى الوراء، أي عودة "فراشة" السلطة إلى "شرنقة" المنظمة، لا الوضع الفلسطيني حيث صارت البلاد مركز العمل الفلسطيني، ولا الوضع العربي المتآكل يسمح بإحياء م.ت.ف في المنفى.. ولا الوضع الدولي يسمح بسحب الاعتراف بالسلطة و"بحل الدولتين" منذ اعترفت الجمعية العامة بدولة فلسطين عضواً مراقباً فيها.
كتب الديمغرافي الإسرائيلي، ميرون بنفينستي قبل أوسلو، وتضاعف أعداد المستوطنين خلالها بأربعة أمثال، أن الاستيطان وصل نقطة "اللاعودة".. والآن، بعد ربع قرن يقولون في إسرائيل إن "حل الدولتين" وصل هذه النقطة، وأن أوسلو صارت جثة سياسية تنتظر من يدفنها!
لم تنجح محاولات بعض النظام العربي لاختلاق بدائل سياسية من م.ت.ف، وشعارها: "لا وصاية، لا تبعية، لا احتواء".
"أوسلو" "خطوة قد حاولت". لها وعليها الكثير، لكن "أوسلو" نقلت البندقية من كاهل عربي رخو إلى صخرة على صدر إسرائيل. السلطة هي العقبة الكؤود أمام صفقة جائرة للتصفية العامة!
عمالة بعض الفصائل للنظام العربي (ثم الإسلامي) لم تنجح في خلق بدائل من المنظمة؛ وعمالة بعض النظام العربي للولايات المتحدة لن تنجح في خلق بدائل للسلطة والمنظمة و"حل الدولتين".