آخر حبّات العنقود وأوّلها
آخر تحديث GMT 12:38:00
 فلسطين اليوم -

آخر حبّات العنقود وأوّلها

 فلسطين اليوم -

آخر حبّات العنقود وأوّلها

بقلم - حسن البطل

لمّا جاء باص الطناطرة، مدربكين مضجين هازجين، إلى أول زاروب بيت مصباح  ومريم وأولادهم، اختبأت وفيقة هلعة خلف باب المطبخ، ليس مثل ما كانت في صغرها تختبئ مني ومن أخي الصغير سعيد في لعبة "الغمّيضة".

جاء الطناطرة (الطنطورة جارة طيرة حيفا إلى شمالها) ليطلبوا يد أصغر شقيقاتي الإناث، وأجملهن إلى قريبنا أسعد عباس.

كانت ستي البطل، عميدة سن آل البطل، تضاهي حفيدتها وفيقة في حُسن جمالها، تأتي من الشام إلى دوما، محنية الظهر، متوكئة على عصاتها، لتزور ابنتها، أمي مريم عباس.

لعشرات من السنين، في الطيرة وسورية، كانت المصاهرة هكذا: أم ستي البطل تزوجت رجلاً من بيت عباس، وأبي مصباح تزوج أمي مريم من بيت عباس، وأخي الأكبر حسين البطل تزوج عائشة من بيت عباس.

هكذا، كانت ذراري هذه الزيجات تأتي خليطاً من زرقة عيون، وشقرة شعر، وبياض سحنة آل البطل أو سود عيون وشعر وسمارة داكنة لسحنة آل عباس، حسب قوانين مندل الوراثية.
كانت شقيقة وفيقة الأكبر، آمنة، تشبهني في انتمائها إلى الفرع العباسي. السيد أسعد يريد يد الشقيقة الأصغر ذات العيون الزرق والشعر الذهبي، التي اختبأت مذعورة خلف الباب، فقد كانت في ربيعها الرابع عشر.

كانت زيجة وفيقة وعباس الأطول عمراً بين زيجات شقيقاتي وأشقائي، ثم كان رحيلها في السعودية، آخر عقدها السابع، قد تركني آخر العنقود من أشقائي وشقيقاتي، وأما الحبة الأصغر في العنقود، أخي سعيد (أبو مشهور) الفدائي، فقد كان أول من غاب.

كان اسعد وشقيقاه سعيد و"أبو ماجد" يعملون في السعودية، أول سنوات اللجوء، كما عمل أخي عبد الرحمن هناك، فترة وجيزة في الخدمات الصحية لشركة "ارامكو" النفطية، وطرد لانتمائه للحزب السوري القومي.

عاد زوج وفيقة مع زوجته، منذ خمس سنوات، بعد تقاعده، ليكون وزوجته قرب أكبر أولاده، الذي يعمل طبيباً في السعودية. لماذا؟ لأن أسعد هرم، ولأن دوما صارت أرض حرب، أتت بالخراب على بيته في دوما.

أبي خلّف أربعة ذكور وأربع إناث، طواهم الموت الذي طواه وأمي، وبعد وفاة أخوي في أول عقدهما الثامن، صاروا في الشام ينادونني: عمي وخالي.. ثم "عميد آل البطل".

الآن، بقيت آخر العنقود، ولعل قلمي "الموعمد" أكثر من اربعين عاماً، جعل بعض الزملاء يدعونني "عميد الصحافة" الفلسطينية، بينها نصف قرن من رفقة السيكارة، إدمان بلا شراهة، لرفقة القلم والسيكارة.

بعد صورة عادية للصدر، طلبوا صورة طبقية: عضلة القلب قوية، شرايين القلب سليمة، لكن إذا لم أطلق السيكارة والقلم، فقد أصاب بانسداد رئوي بعد عشرين عاماً. قلت للطبيب: تكفيني عشر سنوات أخرى، وسنة أخرى من رفقة القرطاس والقلم.

أسعد غادر الدنيا، هرماً، قبل عام من مغادرة زوجته لها. عندما تقدم سوري ـ علوي ـ شيعي لطلب يد ابنته نبيلة، احتج و"زعبر" ثم رضخ، وكانت زيجة الابنة سعيدة وطويلة، كما كانت زيجته هو سعيدة وطويلة.

شقيقاتي الثلاث: زينب، التي رحلت قبل عام، وآمنة التي رحلت قبلها بسنوات بالسرطان، ووفيقة كنّ "ستات بيوت" يعددن أشهى الأطباق الفلسطينية والشامية، وأولادهن شبوا مهندسين وأطباء ناجحين، وتبعثروا في اركان محيط طوق من 360 درجة من محيط الكرة الأرضية؛ توزعتهم المنافي "أيدي سبأ".

الآن، آخر حبات عنقود مصباح ومريم، أو عميد السن لآل البطل، أو عميد أعمدة الصحافة الفلسطينية سيكتب بعد رحيل وفيقة، ربما آخر المراثي، فقد كتب قلمه عشرات منها في فلاش، وأخرى في السيرة، والمكان الفلسطيني، ومجريات الانتفاضة الثانية. تعبت، أو "تعب الرثاء من الرثاء" يقولون عن ذكر مات دون "خلفة": انقطع حرثه ونسله، لكن حرث ونسل أبي وأمي لم ينقطع، منذ صرت، كما صارت شقيقاتي وأشقائي الراحلون قبلي جدوداً مثلي.

لا أعرف كم اسماً ونعتاً لجذر كلمة "الموت" لكن في شبكة "الكلمات المتقاطعة" التي أُدمن على حلها، هناك حرفان "حق". "إنك ميت وإنهم ميتون". "إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون".

جميع أولاد وأحفاد وأحفاد الأحفاد، من ذراري مصباح ومريم أصدقاء على الشبكة العنكبوتية، وعليها تأتي الأخبار السارة والحزينة في "الوقت الافتراضي".

طيرة ـ حيفا تخلو من آل البطل، والبلدة التي كانت تخلو من غير العرب، صار فيها عائلة طيراوية واحدة، من آل الأبطح، الذين شُرِّدوا في بلاد الشام والعراق، ثم شُرِّدوا في أصقاع الأرض. وحدي مع ابن عمي محمد غير اللزم في غزة عدت إلى أرض البلاد، وحظينا بزيارة مسقط رأس آل البطل.

وداعاً للحبة قبل الأخيرة من عنقود مريم ومصباح. شقيقتي وفيقة التي اختبأت خلف باب المطبخ لما جاؤوا يطلبون يدها من أبي، فقد ربّت أولادها وحملت أحفادها، وأحسنت إعدادهم لحياة مستمرة، بعناقيد أخرى لآل البطل وكروم عنب للشعب الفلسطيني.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

آخر حبّات العنقود وأوّلها آخر حبّات العنقود وأوّلها



GMT 11:22 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

"تابلو" على الحاجز

GMT 09:31 2021 الأحد ,03 كانون الثاني / يناير

الاسم: فيصل قرقطي

GMT 10:32 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

خوف صغير!

GMT 11:21 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

«في القدس جيل مختلف»!

GMT 13:09 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

«كنيسة من أجل عالمنا»!

إطلالات هند صبري تلهم المرأة العصرية بأناقتها ورقيها

القاهرة ـ فلسطين اليوم
تعَد هند صبري واحدة من أبرز نجمات العالم العربي، التي طالما خطفت الأنظار ليس فقط بموهبتها السينمائية الاستثنائية؛ بل أيضاً بأسلوبها الفريد والمميز في عالم الموضة والأزياء. وفي يوم ميلادها، لا يمكننا إلا أن نحتفل بأناقتها وإطلالاتها التي طالما كانت مصدر إلهام للكثير من النساء؛ فهي تحرص على الظهور بإطلالات شرقية تعكس طابعها وتراثها، وفي نفس الوقت، تواكب صيحات الموضة بما يتناسب مع ذوقها الخاص ويعكس شخصيتها. إطلالة هند صبري في مهرجان الجونة 2024 نبدأ إطلالات هند صبري مع هذا الفستان الأنيق الذي اختارته لحضور مهرجان الجونة 2024، والذي تميّز بأناقة وأنوثة بفضل قَصته المستوحاة من حورية البحر، مع زخارف تزيّنه وتذكّرنا بقشور السمك. وهو من توقيع المصممة سهى مراد، وقد زاد سحراً مع الوشاح الطويل باللون الرمادي اللامع وبقماش الساتان، ال...المزيد

GMT 17:36 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 10:19 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

الأحداث المشجعة تدفعك إلى الأمام وتنسيك الماضي

GMT 16:13 2014 الأربعاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتورة أميرة الهندي تؤكد استحواذ إسرائيل على ثلث المرضى

GMT 22:32 2016 الثلاثاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

عروض فنية للأطفال في افتتاح مسرح "متروبول"

GMT 06:02 2019 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تألق سويفت ولارسون وكلارك وصلاح في حفل "تايم"

GMT 14:01 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

تجاربك السابقة في مجال العمل لم تكن جيّدة

GMT 09:04 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

سكارليت جوهانسون تُوضِّح أنّ وقف تقنية "deepfake" قضية خاسرة

GMT 06:31 2018 الإثنين ,17 كانون الأول / ديسمبر

خبراء يكشفون عن أسوأ 25 كلمة مرور تم استعمالها خلال عام 2018

GMT 15:38 2018 الجمعة ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحمد أحمد يتوجّه إلى فرنسا في زيارة تستغرق 3 أيام

GMT 09:02 2018 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

"إسبانيا" الوجهة المثالية لقضاء شهر عسل مميز

GMT 04:53 2015 الأحد ,15 آذار/ مارس

القلادة الكبيرة حلم كل امرأة في موضة 2015
 
palestinetoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

palestinetoday palestinetoday palestinetoday palestinetoday