أوّلاً طُرفة لغوية؛ وثانياً رؤية مبكرة. في الطُرفة ما يلي: أضف حرفاً واحداً يقلب معنى العبارة إلى عكسها: قصر الأمير تحت الجسر». الجواب: إذا أضفت حرف «الهاء» إلى كلمة «تحت»!
هل لقب ولي العهد السعودي، يتجنب لقب «سمو الأمير» كما يتجنب لقب «خادم الحرمين الشريفين» اللقب: «عاهل العربية السعودية»؛ أو صاحب الجلالة الملكية، لأن الجلالة لله وحده!
فإلى رؤية مبكرة وردت على لسان كمال جنبلاط، قبل اغتياله بأيدٍ من عملاء سورية العام 1977. دعي جنبلاط إلى زيارة السعودية، وخرج منها بقوله: «يا عمي.. السعودية كما زرتها غير السعودية كما تقرؤون عنها».
قُتل جنبلاط في مستهل الحرب الأهلية اللبنانية، وانتهت الحرب باتفاقية بلدة الطائف السعودية 1989، التي أعادت صياغة «الصيغة اللبنانية» الطوائفية، وحسب صيغة «الطائف» المعدلة، ستجرى انتخابات برلمانية لبنانية، بينما تبدو حال ديمقراطية ما بعد «الربيع العربي» وقد «تلبننت» في العراق وسورية.. ولاحقا في اليمن وليبيا. لكل طائفة حصتها!
حسب مقابلة صحافية مطولة مع ولي العهد ــ وزير الدفاع الشاب، محمد بن سلمان، أعادت «الأيام» نشرها نقلاً عن «التايم» الأميركية، فالأمير ـ ولي العهد «هو أكثر من إضافة حرف «الهاء» إلى كلمة «تحت»، لأن دوره ـ كما قال ـ أن ينقل بلاده إلى عهد «الدولة السعودية الثالثة»!
هل هذا تطور طبيعي أم «انقلاب أبيض» في السلالة السعودية الحاكمة، أو صيغة سعودية إلى «ربيع سعودي» هادئ، يختلف عن صخب «الربيع العربي»؟
اختار ترامب العقاقيري أن يبدأ جولاته العالمية بزيارة السعودية الثرية؛ واختار ولي العهد أن تكون زيارته المطولة للولايات المتحدة بداية جولة دولية.
بذلك، قد نقول: صار لأميركا ركيزة عربية سياسية ثانية في المنطقة تضاف إلى ركيزتها الاستراتيجية الإسرائيلية. السعودية حلت مكان مصر!
«الدولة السعودية الثالثة»، التي سيحكمها من سيحمل لقب «خادم الحرمين الشريفين» لم تبدأ من ترفيع ولي ـ ولي العهد إلى ولي العهد ـ وزير الدفاع، بل قبل ذلك بثلاث سنوات، مع العاهل ـ الملك ـ «خادم الحرمين الشريفين» سلمان، حيث تغيّرت البلاد في ثلاث سنوات ـ كما يقول ـ أكثر مما تغيرت في ثلاثين سنة.
كيف ستبدو السعودية العام 2030 حسب خطة محمد بن سلمان، أول شاب يرث السلالة السعودية التي بدأت قبل 300 سنة مع «ابن سعود» ثم عبد العزيز، وسعود.. ثم فيصل الكبير الداهية، الذي اختار فريقاً ملكياً في السلالة لنقل البلاد من «بيوت طينية» إلى مدن حديثة بمعايير عالمية، ومن اقتصاد الحليب والتمر إلى اقتصاد هو في المرتبة العشرين حجماً من اقتصاديات العالم!
يعترف الأمير أن نكسة «وهابية» ضربت السعودية في العام 1979، كانت صدى للثورة الإسلامية الإيرانية، التي «اختطفت الإسلام» كما يقول، وفي النتيجة صارت إيران ـ الشيعية هي العدو الأول للسعودية.
يباهي ابن سليمان بأن في بلاده أهم جامعة في الشرق الأوسط، وأن نظام بلاده التعليمي في المرتبة 41 العالمية بعد فرنسا، وأن جيش بلاده ثاني أفضل جيش في المعدات، ربما بعد الجيش الإسرائيلي.
ما يهمنا، بعد أن صارت السعودية الركيزة العربية الثانية للسياسة الأميركية، بعد الركيزة الإسرائيلية هو موقع السعودية من «صفقة القرن».
في الواقع التاريخي أن سياسة السعودية إزاء فلسطين وإسرائيل بدأت في قمة فاس الأولى 1981 مع أفكار الأمير فهد، التي أُقرت بعد قمة فاس الثانية 1982، ثم تطورت إلى «مبادرة السلام العربية» ـ 2002، خلال قمة بيروت.. وحصار عرفات!
قبل عرفات أفكار فهد في حينه ثم مشروعه، كما قبل «مبادرة السلام العربية»، لكن لا المنظمة ولا السلطة تقبلان «صفقة القرن» التي تبدأ أميركية من يائها وليس من ألفها؛ ومن العداء لإيران وليس من العداء لإسرائيل أولاً.
يقول ولي العهد: «لا يمكن أن يكون لنا علاقة مع إسرائيل قبل حل قضية السلام مع الفلسطينيين.. بعد ذلك سيكون لنا «علاقة طبيعية وجيدة مع إسرائيل».
في العلاقة الأميركية مع السعودية وإسرائيل هناك أن أميركا تدفع لإسرائيل المليارات، لكن تأخذ من السعودية مئات المليارات، فإذا رفض الفلسطينيون مقدمات الصفقة، فلا تستطيع السعودية قبول بوادرها، فإما إلغاء «الصفقة» أو تعديلها بحيث يقبلها الفلسطينيون!
تحالف «حفر الباطن» لتدمير العراق، ثم تحالف سني ـ إسرائيلي ـ أميركي ضد إيران، ثم «صفقة» لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وفي كل هذا تبدو
السعودية هي «القائد» في العالم العربي بدلاً من مصر، أو بالتحالف معها.
منذ العام 1973 بدأت «الحقبة السعودية» ويبدو أنها مستمرة إلى ما بعد العام 2030 حيث أمامنا «المملكة السعودية الثالثة» تجمع بين الليبرالية والمحافظة!
هل كانت نبوءة كمال جنبلاط في العام 1976 مبكرة: «يا عمي.. السعودية كما زرتها غير السعودية كما تقرؤون عنها»!
لمصر كان محمد علي، وللسعودية محمد بن سلمان!
المصدر : جريدة الأيام