بقلم : حسن البطل
لسبب ما، قال الشاعر ت. س. إليوت إن "نيسان أقسى الشهور"، ولسبب آخر ومحدّد اقتبس شاعرنا عبارته في وصف "عملية فردان" واغتيال القادة الثلاثة في بيروت يوم 10 نيسان 1973.
في سجل الاغتيالات الإسرائيلية نحن نقول "عملية فردان" وهم يقولون "عملية ربيع الشباب". في توقيتهم العبري أن 18 نيسان من كل عام هو يوم إعلان استقلالهم، وفي توقيتنا الميلادي أن 15 أيار هو يوم النكبة.
تكاد لا تخلو شهور العام من عملية اغتيال إسرائيلية، وحتى نيسان القاسي لم يخل من اغتيال أمير الشهداء "أبو جهاد" بتونس في 16 نيسان 1988، واغتيال دكتور الطاقة فادي البطش في كوالالمبور 21 نيسان 2018 الجاري. لهم نيسانهم في الاغتيال والاستقلال، ولنا أيارنا في اغتيال وطن وتشريد شعب.
"قنطر" الفلسطينيون "مسيرة العودة" من آذار إلى أيار، ومن "يوم الأرض" إلى "يوم النكبة"، و"قنطرت" أميركا الترامبية خطوات "صفقة القرن" من خطابه 6 كانون الأول 2017 إلى 15 أيار هذا العام، أي من اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلى افتتاح سفارتها في القدس "يوم النكبة" السبعيني.
بالنسبة إلى صائب عريقات، أمين سر ل/ت (م.ت.ف)، فما يجري من خطوات أميركية منذ الاعتراف إلى نقل السفارة، هو "تصفية للقضية الفلسطينية".
هل يكفي الانسحاب الأميركي من "حل الدولتين" وهو مشروع أميركي و(فلسطيني الأصل) في رئاسة بوش ـ الابن 2004، والانسحاب اللاحق من شجب الاستيطان، وأخيراً في نيسان هذا العام، الانسحاب من وصف وزارة الخارجية الأميركية وضع الأراضي الفلسطينية من "محتلة" إلى إدراجها "إسرائيل، هضبة الجولان، الضفة الغربية وقطاع غزة"!
هل خطوات "الصفقة" المتلاحقة، وغير المعلنة، تعني أن إدارة ترامب تستطيع "إلغاء" الحقيقة السياسية الفلسطينية، كما حاولت إسرائيل إلغاء صفة "شعب" عن الفلسطينيين منذ عام النكبة إلى عام توقيع اتفاق أوسلو؟
كلا، لا تستطيع الإلغاء، لكن خطوات "الصفقة" تحاول "طمس" وتزوير الحقيقة السياسية الفلسطينية والعربية والدولية، إلى "صياغة" حل أميركي مفروض من جانبها وإسرائيل، ومرفوض من جانب السلطة والمنظمة.. ودولة فلسطين المعلنة؛ ومن جانب قمة عربية أخرى، كما من جانب الشرعية القانونية والدولية التي صارت عليها المسألة الفلسطينية، منذ هذه الأوسلو، وحتى انتخاب ترامب وخطوات إدارته في "فرض" طمس وإعادة صياغة للحل، ينكر الحقيقة السياسية الفلسطينية والعربية والدولية، ويتنكر، أيضاً، للسياسة الأميركية إزاء المسألة الفلسطينية منذ احتلال العام 1967، إلى طرحها "حل الدولتين".
بعد الاعتراف الترامبي بالقدس عاصمة لإسرائيل، تلقت إدارة ترامب ما وصفته ممثلتها في الجمعية العامة "إهانة" حين وقفت وحيدة، وإهانة لاحقة في الجمعية العامة، حيث صوّتت إلى جانبها "حفنة" من "نكرات" الدول، ضد غالبية كاسحة تزيد على ثلثي أصوات الدول الأعضاء.
للشعراء أن يضعوا شهر "نيسان" على أنه أقسى الشهور، وللفلسطينيين أن يصفوا 15 أيار النكبوي بأنه أقسى أيام العام والسنوات والعقود، أيضاً.
حسناً، في نيسان وصف عاموس يادلين، رئيس سابق لشعبة الاستخبارات، شهر أيار المقبل أنه سيكون "الأخطر" منذ العام 1967، لأنه ذروة "مسيرة العودة" ونقل السفارة، وأيضاً احتمال انسحاب إدارة ترامب من "اتفاقية فيينا" مع إيران، وتصاعد الاحتكاك الإيراني ـ الإسرائيلي في صراع سورية.
لإسرائيل جواب أمني وعسكري على التحديات العسكرية والسياسية من الدول المجاورة وجيوشها، لكن ليس لديها جواب سياسي على الحقيقة السياسية الفلسطينية.
كانت إسرائيل تصف وضع الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنها "أرض مدارة" أو "متنازع عليها" منذ حرب الأيام الستة، وتنكر وجود شعب فلسطيني حتى أوسلو، وتعود الآن إلى وصف أراضي دولة فلسطين المعلنة، بأنها "يهودا والسامرة".
كانت تقارير وزارة الخارجية الأميركية، حتى نيسان هذا العام، تتحدث عن "إسرائيل والأراضي المحتلة"، وصارت مع تقرير نيسان هذا العام تتحدث عن "إسرائيل، الضفة الغربية وقطاع غزة" وبذلك "لحست" واشنطن مصادقتها على اتفاقية أوسلو التي أقرّت بالوحدة السياسية والإدارية لغزة والضفة الغربية، وهذا يعني دويلة فلسطينية في غزة، وحكم ذاتي فلسطيني على ما تبقى خارج الاستيطان اليهودي، على أن يكون ملحقاً بالأردن، كما غزة ملحقة بمصر!
اضطرت إدارة ترامب إلى محاولة ترويض الرفض الفلسطيني الفوري للصفقة الجائرة، عن طريق محاولة تطويع الموقف العربي من الصفقة؛ والموقف السياسي والدبلوماسي الدولي من القدس عاصمة دولتين.
ومع طاقم أميركي لإدارة الصفقة، من ثلاثة أميركيين يهود يمينيين، إضافة إلى المندوبة هايلي، يبدو أن اليمين التوراتي الإسرائيلي، هو من يحرك حكومة ترامب اليمينية ـ المسيانية!
لا يمكن لإدارة ترامب أن تلغي "فلسطين" بعد أن صارت افتتاحيات الصحف الإسرائيلية تتحدث عن "أرض إسرائيل ـ فلسطين"، وصعب عليها تمرير "الصفقة" عن طريق طمس القضية الفلسطينية ومحاولة صياغتها بتطويعها عربياً!
ربما كان هذا ممكناً قبل تأسيس المنظمة، وقبل أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية، وقبل طرح "حل الدولتين"، الذي وصل إلى نهايته، لتنفتح نافذة حل الدولة الواحدة!
المصدر : جريدة الأيام