بقلم : حسن البطل
معقول؟ ليش لأ.. فالعمر عمران: الميلادي والمهني. في عمر الميلاد أعرف أنني "عميد السن" في الجريدة والمؤسسة ـ الأم الصادرة عنها. يقول الزميل الفني إيهاب: ما دمت تمشي عليك أن تكتب. لم أعد أمشي كما كنت، ولقارئ مواظب لـ"الأيام" أن يقول: لم تعد تكتب كما كنت.
عمري المهني في الجريدة من عمر "الأيام" التي اجتازت ربع قرن، وفي المجلة المركزية "فلسطين الثورة" عقدان، وفي إذاعة الثورة ـ بغداد صرفت عامين، طردني في ختامها صبري البنّا (أبو نضال) لخلافٍ حول "برنامج السلطة الوطنية الفلسطينية" المعروف ببرنامج "النقاط العشر".
علاقتي بحركة "فتح"، كغير عضو بل نصير، بدأت لما كنت، بعد عام من انطلاقتها، أساعد الفتحاويين: "عبد" و"عدنان" في توزيع بيانات "العاصفة" عن عملياتها، لمّا كان أبو عمار، رسمياً، هو الناطق الرسمي، علاقتي بالحركة عضواً، بدأت بتوقيع القائد العام أبو عمار "أمراً" على ورقة رسمية، في العام 1977، وقبلها كنتُ محرّراً منذ العام 1974، محسوباً على الجبهة الديمقراطية.
السؤال جوابه في الغيب، هل سأظلّ أكتب في الجريدة ما دمت أمشي، كآخر الكتّاب القدامى في "فلسطين الثورة"، وقد "دبكت" في عمري الـ76، علماً أن عميرة هس تقول إن الصحافيين في إسرائيل المواظبين منهم، يتقاعدون في سن الـ67.
في محصّلة عمري المهني ثلاث جوائز صحافية: جائزة المقالة، جائزة اتحاد الصحافيين العرب.. وأخيراً، جائزة "شخصية العام" 2018 الثقافية. مع ذلك، لي أن أفتخر مهنياً بتنويه اللجنة المركزية لـ"فتح" بتحريري، وحدي مع المخرج الراحل عدنان الشريف، العدد السنوي للمجلة الصادر بداية 1982، وفيه ملف بعنوان "فلسطين حقيقة سياسية، وحقيقة جغرافية غداً". كان أكبر وأشمل الأعداد السنوية للمجلة.
إلى ذلك العدد السنوي، وتنويه اللجنة المركزية بتحريري له، فإن الوسام المعنوي المهني، استحققته في تحرير العمر الثاني للمجلة المركزية في إصدارها القبرصي.
في هذه المسيرة المهنية والتنظيمية مفارقات لذيذة، ففي العام 1962، بعد الانفصال السوري، جمعنا نشيط فلسطيني في حلقات تحت أشجار زيتون قرية دوما، وصرنا تنظيمياً للحركة العربية لتحرير فلسطين، وعاقبتنا المخابرات السورية بالحبس وخرجنا بعد دفع غرامة مالية.
بعد حرب النكسة مباشرة، جمعتنا "حركة القوميين العرب" في اجتماعات تنظيمية ترأسها قتيبة الشريف، ابن إقطاعي عروبي، وكلّفني مسؤولي بتلخيص كتاب علال الفاسي "الحركات الاستقلالية في المغرب"، فأضفت معلوماتي من خارج الكتاب.. ثم جمّدني مسؤولي لخروجي عن ما ورد في الكتاب.
رشّحتني الجبهة الديمقراطية لعضوية المؤتمر التأسيسي لـ "اتحاد الكتّاب والصحافيين الفلسطينيين" الذي عقد في قاعة جمال عبد الناصر ـ الجامعة العربية ـ بيروت، وحضرت والقاعة ملأى بحيث قال شفيق الحوت: هذا مؤتمر للقراء الفلسطينيين، أيضاً.
في العام 1972 أرسلتني الجبهة الديمقراطية إلى بغداد، لأمثلها في إذاعة الثورة ـ بغداد، وحضرت اجتماعات تنظيمية في مقر الجبهة في الفلوجة ـ بغداد، بعد أن رفعوني من نصير إلى عضو أمانة الفرع.
بعد طردي من بغداد، صرت أحضر اجتماعات إعلاميي الجبهة، ثم صار مسؤولي داود تلحمي، ثم جميل هلال، ثم واحد أقلّ أهمية، وكلّفني جميل هلال بكتابة "تعميم" تنظيمي عن عملية "معلوت"، كان خارج سياق تعاميم الجبهة، كما قال لي عضو قديم فيما بعد.
ما هو الغريب، غير المعقول؟: منذ عضويتي التنظيمية في "فتح" لم أحضر أي اجتماع حركي تنظيمي، لكن كتابتي الأسبوعية في المجلة المركزية كانت للفتحاويين خارج لبنان، تعتبر "تعميماً" كما قال لي في البلاد المقاتل الفتحاوي فضل عاشور الذي صار أهمّ طبيب نفسي في غزة.
حضرت مؤتمرين لاتحاد الكتّاب والصحافيين: الأول بعد الانشقاق في صنعاء 1983، والثاني بعد إعادة توحيده في الجزائر، ومؤتمرا حركيا في تونس، كان الأول بعد خروج بيروت، وآخر في بيت لحم، وكان الأول الذي يعقد في البلاد.
مع ذلك، لو سألوني الآن أن أذكر أسماء عشرة من أعضاء اللجنة المركزية للحركة لرسبت، وكذا أعضاء عشرة في اللجنة التنفيذية للمنظمة.
لماذا؟ أنا مع المشروع الوطني كما تقوده "فتح"، لكنني عضو خامد في المؤتمرات الحركية والوطنية، فإن كان فتحاويون مناضلون، مثل فضل عاشور، زعلوا لإقصائهم عن المؤتمر الحركي السابع، فأنا ضربتُ صفحاً، فما زلت وسأبقى نشيطاً مهنياً في المشروع الوطني الوطني، وخامداً في المؤتمرات الحركية، وسأظلّ أنتخب "فتح" كما يظلّ الفتحاوي فضل عاشور، إلى حين تحقيق الدولة المستقلة، وبعدها قد أصوّت لحزب يساري تقدمي ديمقراطي.
نشأت الأقطش، خبير الاستطلاعات الفلسطيني، صار مدير الحملة الانتخابية لحركة حماس 2006، وكتب عن تجربته، وذكرني في ذلك، وأعاد نشر خمس مقالات لي تحذر من هزيمة الحركة في تلك الانتخابات.
فتحاويتي تلتقي بفتحاوية فيصل الحسيني، وأحمد عبد الرحمن، و"صخر" وكذلك رئيس تحرير "الأيام"، وبالطبع فضل عاشور، وفتحاويين التقيتهم في مؤتمر الحركة في بيت لحم، كانوا يقرؤونني في "فلسطين الثورة" وصاروا أعضاء في المجلس الثوري.
عندما انطلقت "فتح" كنت في عامي الميلادي الـ 21، ولا أستطيع القول مع الجيل الجديد في الحركة: أنا ابن "فتح" لأنني من أبناء مشروعها الوطني الفلسطيني أولاً، وقبل كل شيء، ومن جنود مشروع السلطة الوطنية، لكن لست مع إدارتها السلطوية دائماً، وإنما مع مشروعها الوطني.
قد يهمك أيضا :
هَـــوَس
ما اسم اللعنة الثالثة؟