بقلم: حسن البطل
سأكتبها كما يلفظها اللبنانيون: أنا «معوكر»، أي عكر المزاج ومتعكّره. بين الأمس، وأول من الأمس «تخربطت» ساعتي البيولوجية، ومعها تخربط الطقس، وتقدمت ساعة فنجان قهوة الصباح 60 دقيقة عن موعدها!
كان عليّ، منتصف ليلة أمس، أن أقدّم عقربي الساعة، لكن ساعتي البيولوجية في النوم والصحو لها عقربان آخران يمشيان على التوقيت القديم الشتوي. بعد ستة شهور ستتلكّأ ساعتي البيولوجية يومين أو ثلاثة، عندما يحين أوان التوقيت الشتوي.
أمس، مدّ الطقس لسانه للتوقيت الصيفي كأن طقساً شتوياً عاد، بعد يوم كان الأكثر حرارة في هذا الآذار. ليلة أمس، كان الناس يلبسون نُص كُم و(تي ـ شيرت) وصباح اليوم، أمس، ارتدوا ستراتهم من جديد. غداً سيرتدون قمصاناً ذات كُم طويل.
للموت في العربية أسماء أقل من أسماء الأسد بالتأكيد، ومنها «الحق».. «فلا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون»، وهذا «الفيسبوك».. الذي أتصفّحه لماماً مع فنجان الحليب بالنسكافيه، كان «معكراً» بدوره. طويت صفحة حياة ريم البنا في يوم الانتقال من توقيت إلى توقيت، كأن عيون السماء سحّت حزناً بدمعتين من ماء السماء.
يبدو لي أن ساعتي البيولوجية مثل نبات «عبّاد الشمس» والشمس غابت عن صفحة السماء مع الانتقال من توقيت إلى آخر، فصحوت حسب التوقيت الشتوي متأخراً ساعة.
لا يحصل تعكّر المزاج مثل هذا تماماً في الانقلابين ولا في الاعتدالين لحركة دوران الأرض حول أمها الشمس، وللأرض في دورانها الأبدي شمال جغرافي وهمي وشمال مغناطيسي حقيقي، يجعلها تميل عن الشمال الأول، بفعل جاذبية تابعها القمر، بما يجعل الأرض ذات قبعتين جموديتين، وبما يجعل بلادنا ذات فصول أربعة، وبلاداً أخرى ذات فصلين في أقصى الشمال وأقصى الجنوب، وذات فصل واحد في بلاد خط الاستواء، حيث لا حاجة إلى توقيت صيفي وآخر شتوي.
فلكي مجنون تساءل: لماذا لا ننسف القمر، فنزرع سيبيريا ونزرع القارة القطبية الجنوبية، الغاطسة تحت قبعة جليدية، فتصير الأرض كلها ذات فصلين، وتنتفي الحاجة إلى التوقيتين!
القهوة لتعديل المزاج، وكان صديقي يقول لصديقه: أرجوك لا تحك معي قبل فنجان القهوة الثاني، والسيكارة الثالثة، وجرعة الماء الأولى.. لكن ساعة قهوة الصباح مربوطة على الساعة البيولوجية للتوقيت القديم.
الطقس قُلّب، لأنه ابن مناخ يتقلّب، وقرأت أن احترار جوّ الأرض درجة ونصف الدرجة عمّا كان عليه قبل الثورة الصناعية قد يدفع إلى هجرة للبشر تذكّر بهجرته من أفريقيا، أُم الإنسان القديم، إلى الشمال بعد العصر الجمودي الرابع، حيث سيهاجر 140 مليون خلال عقدين أو ثلاثة إلى الشمال إذا قارب الاحترار أربع درجات، لماذا ليس إلى الجنوب؟ لأن كتلة البرّ كبيرة في نصف الكرة الشمالي، وكتلة البحر كبيرة في نصف الكرة الجنوبي.
قرأت، أيضاً، مع بدء توقيت صيفي في نصف الكرة الشمالي، أو في بلادنا فوق المدارية بالذات، أن فنلندا وبلاد نصف الكرة الشمالي كان يشكو أهلها من «انطوائية» وارتفاع الانتحار ومعاقرة الكحول بفعل فصل طويل من غياب ضوء الشمس.. أما الآن، فصارت فنلندا في صدارة دول العالم حسب مقياس «السعادة» العالمي، بفعل ما يطلقون عليه هناك «سيسو» أي قدرة الإنسان على التأقلم والصمود، في مواءمة الشروط الاجتماعية مع الشروط المناخية.
بفعل شيء مثل هذا، اجتاز الإنسان محنة زمهرير العصر الجمودي الرابع، دون حاجة إلى إمدادات التدفئة بالكهرباء أو بالغاز.
نحن في بلاد المناخ المتوسطي، ولعلّه الأفضل من سواه، أو هو سبب جودة نظام الطعام والاقتيات المتوسطي، لكن مع «عوكرة» المزاج في الانتقال من توقيت لآخر فترة أيام قبل اعتداله مع كل توقيت.. باستثناء المناخ السياسي والاجتماعي العكر والمخيّم، الذي يشمل خاصة بلاد المتوسط، كما وسائر العالم.. هذا مناخ سياسي «ترامبي» و»شعبوي» ويميني» و»ديني».. إلخ.
شتان !
أسخف الدعايات الاستهلاكية تأتينا عَبر قنوات التلفاز، وخاصة هذه الفضائيات العربية ـ الخليجية.
مثلاً: هذه الدعاية لهذا «الديتول» بوصفه يضمن القضاء على 100% من الجراثيم، وكانت الدعاية القديمة هذه تقول 99%. الآن، ثبت أن الإسراف في استهلاك المطهّرات الكيميائية يؤدي إل مفعول معاكس، حيث تتأقلم الجراثيم مع المبيدات، والإفراط فيها مسؤول عن جراثيم تسمى «إي ـ كولاي» تضرب المستشفيات.. وتقتل المرضى!
أفضل المطهّرات هي هذا الصابون العادي، الذي أعطاه العرب اسمه الذي له في معظم اللغات الحيّة، عدا عن أن الأطفال الذين يلعبون بـ «الخمّة» في صغرهم تتطور لديهم مناعة مكتسبة، وفق نظرية «ديرتي ـ بوي» (الولد القذر).
كانت الأمهات في قرى غوطة دمشق تغسل ملابس العائلة القذرة بشيء آخر غير الصابون، وهو نبات يسمى «شتان» لا يرغي كما الصابون، لكن له رائحة نفّاذة تقضي على حشرات مثل البق والبراغيث، ولعلها كانت تقوم مقام هذا «النفتالين» الذي يقي من حشرة «العث».
سؤال وجيه
في الحرب اليمنية يتحدثون عن أوبئة الكوليرا أو الملاريا، وعن سوء التغذية الذي يفتك بالأطفال بفعل المجاعة.
في حرب الدمار والخراب والموت الجارية في سورية، تحدثوا عن حصار النظام للغوطة الشرقية، وعن استخدام السلاح الكيميائي.. لكن مع خروج المدنيين والمقاتلين، تأمّلتُ وجوه الأطفال، فبدوا لي يرتدون الملابس الجيدة، ولا تشكو وجوههم من سوء التغذية.
جرائم الحرب كثيرة، لكنها في سورية عدا الدمار والخراب والموت، ليس من بينها في الحرب السورية جريمة الموت جوعاً، كما في الحرب اليمنية.