دعكم من حسبة العدد والمعدود، فالعدد الوازن هو الولايات المتحدة، وباقي المعدود مضاف إليه، بصفة أن اتفاق فيينا النووي، أهم اتفاق دولي في العقد الأخير، جرى خارج مجلس الأمن، أي بين الدول النووية الخمس، صاحبة «الفيتو» فيه، مضافاً إليها ألمانيا.
ترامب انسحب من اتفاق فيينا، ومن قبل انسحب من معاهدة باريس الدولية البيئوية، ومن اتفاقيات اقتصادية دولية، وكذا سياسية مثل الانسحاب من «حل الدولتين» الدولي في المسألة الإسرائيلية ـ الفلسطينية، والاعتراف بالقدس!
لم تجارِه دولة أُخرى في الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، ولا من اتفاقيات اقتصادية دولية، لكن ثلاث دول جارته في الانسحاب من «حل الدولتين» وستنقل سفاراتها إلى القدس؛ وأيدته أربع دول في الانسحاب من اتفاقية فيينا !
إن «حسبة» الانسحابات الأميركية من باقي الاتفاقات الدولية، غيرها الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، الذي هو، في الواقع، بين الولايات المتحدة وبين إيران بالأصالة أو بالنيابة عن إسرائيل!
صحيح، أن دولاً خمساً في مجلس الأمن لها حق «الفيتو» المتبادل، لكن «الفيتو» الأميركي السياسي في مجلس الأمن مسلّح بـ «فيتو» آخر في المسألة الإيرانية، وهو سلاح «العقوبات» الاقتصادية.
صحيح، أيضاً، أن عقوبات دولية على العراق لم تجرده من ادعاءات حيازته لـ»سلاح الدمار» الشامل»، لكن الادعاءات هذه مكّنت الولايات المتحدة من قيادة تحالف دولي ـ عربي أدى، في النهاية، إلى احتلال بغداد، وتدمير العراق جيشاً ونظاماً، دولةً وشعباً.
هل سمعتم أو قرأتم عن دولة أخرى، غير أميركا، تستخدم سلاح العقوبات، الساري على كوبا منذ أكثر من نصف قرن، وصار يسري، ولو جزئياً، على روسيا ذاتها بعد قصة شبه جزيرة القرم وأوكرانيا؟
انسحبت أميركا من اتفاقية 5+1، ولم تفرض عليها الدول الموقعة على معاهدة باريس للمناخ عقوبة اقتصادية، لكن الانسحاب الأميركي من معاهدة فيينا مسلّح بالعقوبات الاقتصادية، التي ستسري، فوراً، على العقودات الأميركية الجديدة، وستسري خلال 90 ـ 180 يوماً على العقودات القديمة، لما قبل اتفاقية فيينا.
خاب أمل الرئيس الإصلاحي الإيراني، ومعه شعبه، من رفع العقوبات، كلياً، بعد اتفاق فيينا، لكن إيران التزمت بالاتفاقية، حتى بشهادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وكذا بشهادة الدول الخمس الموقعة على اتفاقية فيينا، وحتى بشهادة مسؤولين سياسيين وتشريعيين أميركيين.
حسب اتفاقية فيينا، ستبقى إيران «دولة حافة نووية» لمدة 15 سنة، لكن خلالها طوّرت إيران قدرة صاروخية تسيارية (بالستية) عابرة، كما فعلت كوريا الشمالية، التي صارت دولة نووية فعلية.. فاهتزت آسيا!
لم تعد الطائرات هي من تلقي القنابل النووية، لكن صارت الصواريخ العابرة من تحملها، فإن انتهى أجل اتفاقية فيينا كانت صواريخ إيران قادرة على حمل القنابل النووية، كما هو حال صواريخ إسرائيل، الدولة الوحيدة النووية الحربية في المنطقة.
في هذه الحال، سيسود «سلام مسلح» نووي، يحمي حروب التدخل الإيرانية، لكن يمنع إسرائيل من شنّ حروب كلاسيكية منتصرة على الجيران.
بعد اتفاقية فيينا النووية، بتصديق من إدارة أوباما، عارضت إسرائيل وحدها الاتفاقية، وذهب نتنياهو إلى الأمم المتحدة يعرض المخاطر على إسرائيل، لكن إسرائيل مهّدت لانسحاب أميركا من الاتفاقية بأمرين: «سرقت» بعملية جاسوسية فذّة وثائق نووية إيرانية قيل إنها حديثة لعام 2016، أي بعد اتفاقية فيينا؛ والثاني أن إسرائيل ألقت قنبلة أميركية الصنع خارقة للتحصينات على مواقع إيرانية في سورية، زنتها نصف طن، بينما تملك أميركا، وحدها، قنابل خارقة للتحصينات وزنها طن واحد.
سيقال إن حرباً إسرائيلية على إيران قادرة على تعويقها امتلاك قنبلة نووية مدة 2-3 سنوات، لكن مع عقوبات اقتصادية دولية على إيران، قد لا تكون قادرة على ذلك.
الخطير في أمر الانسحاب الأميركي من اتفاقية فيينا هو تسليحه بالعقوبات، التي ستنصاع إليها الشركات الغربية، وحتى الشركات الروسية والصينية واليابانية، وإلاّ خضعت بدورها للعقوبات الأميركية. هذه حرب اقتصادية، أيضاً!
الخطير أكثر، أن ثلاث دول عربية تدعم الانسحاب الأميركي المسلح بالعقوبات الاقتصادية، وبذا يصير الكلام عن حلف أميركي ـ إسرائيلي ـ عربي سنّي واقعاً يؤثر على «حل الدولتين»!
الانسحاب الأميركي غير المسلح بالعقوبات لا تأثير كبيراً له، لكن معارضة دول أساسية في الاتحاد الأوروبي معارضة سياسية، غيّر قدرة شركات هذه الدول على تحدّي فرض عقوبات عليها.
الشعب الإيراني كان مع اتفاق فيينا، على أمل رفع العقوبات. خاب أمله، وأميركا وإسرائيل وبعض دول الخليج تراهن على انهيار النظام تحت وطأة تشديد العقوبات.
لم تعد الحرب احتمالاً، لكن السؤال عن مداها وأطرافها، وهل تكون محدودة أم شاملة، وهل ستدور على أرض سورية، أم تشمل إيران وإسرائيل ودول الخليج، أيضاً.
المصدر : جريدة الأيام