"بخبخت"السماء في آذار "أبو الأمطار"كأنها "رشرشات"ماء على بسطة بائع خضار ورقية هشة.
أما في سماء سحاب ماطر، فيقولون: إن الرعد يلي البرق.. هذا، إن كانت مكالمة هاتفية من الرئيس ترامب إلى الرئيس عباس تشبه برقاً في سماء علاقة رسمية أميركية مع الرئاسة الفلسطينية.
في الواقع، كان ترامب "أرعد"قبل برق الدعوة للبيت الأبيض، عندما تعهد، في حملته الانتخابية وبعد انتخابه، أن يحل معضلة السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي بـ»صفقة"تاريخية لم يسبقه إليها رئيس أميركي، منذ أن كان سلفه بيل كلينتون عراب اتفاقية أوسلو.
هل حجز صاحب الدعوة مقعداً أو موعد إقلاع، كما تفعل شركات الطائرات لمسافريها، أم أن الزيارة الرسمية الرئاسية الفلسطينية ستكون على قائمة الانتظار ـ ويتنغ ليست"المزدحمة للرئيس الـ45 للولايات المتحدة المتقلّب!
عندما كان أبو مازن أول رئيس وزراء في حكم ياسر عرفات في العام 2003، تلقى دعوة من الرئيس جورج بوش ـ الابن، وسبق للرئيس عرفات أن زار البيت الأبيض مراراً في ولاية الرئيس كلينتون، ولكن ذلك لم يكن بمراسيم رئاسية بروتوكولية، ولم تكن الإدارة الأميركية طرحت مشروع "الحل بدولتين"عام 2003، بعد طرح مشروع السلام العربي في العام 2002.
في ولاية ثانية لبوش الابن، اقترح على مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس في ولايته الأولى، أن تتولى حقيبة الخارجية، فاشترطت لقبولها أن يكون رئيسها جاداً في مشروع "الحل بدولتين».. وهكذا عقدت قمة أنابوليس ثم مفاوضات عباس ـ أولمرت.
بناء على طلب فلسطيني أن تفسر السيدة رايس حدود دولة فلسطين، قالت: إنها تشمل الضفة الغربية المحتلة كلها، بما فيها القدس الشرقية، وأيضاً منطقة اللطرون "المحايدة»، أي دولة متصلة ـ متواصلة جغرافياً.
.. لكن الرئيس بوش، في ولايته الثانية، كافأ رئيس الحكومة شارون على انسحابه من غزة، و»انطوى"عن مستوطنات في محافظة جنين، بقبوله تعديلات حدودية متفاوض عليها حول كتل استيطانية إسرائيلية.
نتيجة ذلك، صرح شارون في أحد مؤتمرات هرتسليا للأمن القومي، بأن الضفة الغربية واقعة "تحت الاحتلال.. نعم احتلال».. وليست "أرضاً محررة لا تُعاد»!
ترامب، الذي تحدث عن "سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين"وعن عزمه تنفيذ قرار الكونغرس عام 1985 بنقل السفارة الأميركية للقدس، وعن "صفقة"تراجع عن "حل الدولتين"و»خيّر الإسرائيليين والفلسطينيين وحيّرهم"بين حل الدولتين وحلّ الدولة الواحدة!
الاستيطان اليهودي تمادى كثيراً، منذ ولاية كلينتون إلى ولاية بوش الابن، وولاية أوباما، وتضاعفت أعداد المستوطنين ثلاث مرات من 200 ألف إلى 600 ألف.
واقعياً، تحول الأمر من "جدل"حجم الانسحاب الإسرائيلي إلى "جدل"إسرائيلي حول "حجم"الضم .. ومن الكتل إلى المنطقة (ج) ومنها إلى الضم الكامل.
بدلاً من "تجميد"الاستيطان، حيث هدّد أوباما نتنياهو في أول لقاء بينهما: لا تبني حتى "طوبة واحدة"جديدة Not one Brick، يقترح ترامب على نتنياهو في أول لقاء بعد انتخابه "تحجيم"الاستيطان، أي إطلاقه في الكتل الاستيطانية، والبناء في مستوطنات شرق الجدار دون إضافة مستوطنة أخرى!
هذا يعني أكبر عدد من المستوطنين في أقل مساحة للاستيطان، رداً على مفهوم إسرائيل للاستيطان: أكبر مساحة من الأرض بأقل عدد من السكان الفلسطينيين.
هناك من اقترح كونفدرالية فلسطينية ـ إسرائيلية، أو ثلاثية مع الأردن، حتى قبل أوسلو. بعد أوسلو صارت فلسطين وإسرائيل كونفدرالية ولكن في الزيارات الأجنبية للبلدين، أي ساحة دبلوماسية ـ سياسية واحدة.
نعرف أن علماء الأنواء يستمطرون السحاب بزرعه بعناصر فيزيائية، وينجحون إلى هذه الدرجة أو تلك، لكن الرئيس ترامب كأنه يحاول استمطار السراب، لأن تخيير الجانبين بين دولتين أو دولة لا يمكن استمطاره بـ "صفقة"سياسية على غرار صفقات الشركات التي هي اختصاص المليونير ترامب.
لحل الدولتين شروطه الفلسطينية والدولية، كما في القرار 2334 وهو ما ترفضه إسرائيل؛ ولحل الدولة الواحدة شروطه الفلسطينية وهو ما ترفضه إسرائيل، أيضاً.
كان الرئيس أوباما منح إسرائيل "صفقة"أمنية عشارية السنوات وغير مسبوقة بقيمة 38 مليار دولار، دون أن توافق إسرائيل المتملصة على "صفقة"سياسية لحل الدولتين. ربما كان على ترامب أن يطرح في "صفقته"على إسرائيل بدلاً من "تحجيم"الاستيطان، مبلغاً مماثلاً على مدى سنوات لإجلاء المستوطنين شرق الجدار وفق مبدأ "إخلاء ـ تعويض»، مرفوقاً بتعديلات حدودية متبادلة للكتل.
ورد في مصادر إسرائيلية أن المبعوث "المستطلع"للرئيس ترامب اقترح شروطاً على السلطة الفلسطينية، فإن وافقت عليها أو بعضها، ستعود إدارة ترامب إلى سكة "الحل بدولتين»، ومن ثم سيحدد ترامب موعداً في "قائمة الانتظار"لزيارة رئيس السلطة، أو "السيد الرئيس"كما وصف ترامب أبو مازن، إلى واشنطن والبيت الأبيض.
الخطير في الأمر، أن مطلب ترامب "تحجيم"الاستيطان يترتب عليه تفاهمات أميركية ـ إسرائيلية، وحتى لجنة مشتركة؛ ومن اعتبار أميركا أن الاستيطان "غير شرعي"إلى مشاركة أميركية في رسم حدود الاستيطان.
خلال جولة الشهور التسعة الفاشلة للسيد كيري، تناول سندويش شاورما في رام الله، أما غرينبلات، فكانت جولته الاستطلاعية رسمية وغير رسمية، شملت زيارة مخيم الجلزون، واجتماعاً مع قادة المستوطنين.
سيرفع غرينبلات تقريره للرئيس ترامب، وفي ضوئه قد يشمّر عن ساعديه لعقد اجتماع عالي المستوى في عمّان خلال حزيران لعرض تفاصيل وخطوات برنامج "الصفقة».. وعلى الأغلب لن تكون مثل استمطار السحاب، بل استمطار السراب، أو "فركة أذن"لإسرائيل ولكمة مؤلمة لفلسطين.