ما الفرق بين «يعرف» و»يعلم»؟ قد «يعرف» المرء إذ يسمع أو يقرأ، لكن إن رأى رؤية العين فهو «يعلم».
كان هذا جوابي على سؤال فيسبوكي طرحه الإعلامي الفلسطيني ـ الأسترالي النشيط، يوسف الريماوي، الذي يتقن الإنكليزية والعربية.
كنتُ أعرف أن العودة عودات: اللاجئون، النازحون.. والمُهَجَّرون.. أنا لاجئ من زمن النكبة، وعائد إلى «الجزء المتاح» من الوطن بعد أوسلو، وهناك النازحون بعد نكسة حزيران إلى الأردن، ورفعوا في عتليت المُهَجَّرة ـ المُدَمَّرة منذ النكبة في مظاهرة الـ 30 ألفاً شعاراً يقول: «لا عودة عن حق العودة»، بعد يوم واحد من احتفال إسرائيل بسبعينية قيامها حسب التوقيت العبري. بحرٌ من الأعلام الوطنية ترفرف في عتليت الكنعانية على ساحل البحر، ونشيد «موطني» وكوفيات على الأعناق.
لا «أعرف» هل أنّ «المُهَجَّر» قاسم شعبان كان مشاركاً، لكن هذا المدير الفني، آنذاك، لـ «بيت الكرمة» قادنا، قبل الانتفاضة الثانية، من مكتبه في حيفا إلى بيته في «شَعَب» الجليلية، وفي الطريق ألقى تحية على قبر جدّه في قرية الدامون المُهَجَّرة.
العودة عودات، وحوالى ربع الفلسطينيين في إسرائيل هم مُهَجَّرون عن قراهم الأصلية منذ النكبة.
في سبعينية إقامة إسرائيل، نظمت «جمعية الدفاع عن حقوق المُهَجَّرين» مسيرتها الشعبية إلى عتليت، جنوب حيفا (17كم)، وإلى شمالها قليلاً طيرة الكرمل حيث ولدت العام 1944، والتي سقطت حرباً في 18 تموز 1948، وليس فيها سوى عائلة فلسطينية واحدة الآن!
في الصور المنشورة عن المسيرة إلى عتليت الكنعانية منذ 10 آلاف عام رأيتُ أن كل المشاركين فيها تقريباً ولدوا بعد عام النكبة.
ينوي الفلسطيني ـ الفرنسي، المولود في دوما السورية، محمد الأبطح، قريب العائلة الفلسطينية الوحيدة في الطيرة، أن يشارك في مسيرة النكبة يوم 15 أيار، ومعه زرنا الطيرة وهي الزيارة الثالثة لي لعائلة الأبطح المقسومة بين الشتات العربي والباقية في الطيرة، وكذا مع الطيراوية ساهرة درباس المُهَجَّرة إلى حيفا، وهناك فرع من عائلة الدرباس في مدينة دوما السورية، من أصدقاء طفولتي.
في حوزتي، بعد أوسلو، رقم وطني وهوية السلطة الفلسطينية؛ ولمحمد الأبطح، أستاذ البيئة في جامعة فرنسية جواز سفر فرنسي؛ ولساهرة وشقيقها ناهد درباس جواز سفر إسرائيلي؛ وليوسف الريماوي جواز سفر أسترالي، ولابن حيفا المولود فيها قيس مراد جواز سفر سويدي.. والجميع فلسطينيون، معنيون بـ «لا عودة عن حق العودة» وأولها عودة «المُهَجَّرين» في إسرائيل إلى بعض قراهم، وهي نحو 50 قرية مُدَمَّرة ـ مهجورة، من أصل 450 قرية ومدينة كانت عربية فلسطينية قبل النكبة.
هذه السنة، أحيا الفلسطينيون في إسرائيل «يوم الأرض» في قرية سخنين، حيث أقيم فيها نصب تذكاري مهيب لشهداء «يوم الأرض» الستة، بتصميم مشترك بين عبد عابدي وغرشون غنيسبل، وصار «يوم الأرض»، يوماً وطنياً لعموم الشعب في البلاد والشتات، كما «يوم النكبة».
.. وهذه السنة، بدأت أسابيع مسيرات الفلسطينيين في قطاع غزة إلى «خط التحديد» يرفعون العلم ذاته الذي يرتفع في كل يوم أرض في الجليل، وارتفع على ساحل عتليت.
لماذا اضطر الفلسطيني ــ الإسرائيلي الهوية قاسم شعبان إلى الهجرة لشقة صغيرة في قرية شَعَب، بدلاً من العودة وبناء بيت في أراضي جدّه بالدامون؟ ولماذا لا يعود المُهَجَّرون من قرية عين حوض، قضاء حيفا، إلى قريتهم، والمُهَجَّرون من إقرث وكفر برعم إلى قريتهم، وحتى أهل لفتا إلى قريتهم؟
تقول دراسة إن حق عودة اللاجئين إلى قراهم الأصلية يمكن أن يمارسه 400 ــ 600 ألف لاجئ خلال عشرين سنة، وهذا لا يخل بالأغلبية اليهودية في دولة إسرائيل، التي تمنع عودة ربع مليون فلسطيني مُهَجَّر منذ النكبة إلى قرى مُدَمَّرة أو مخلاة في إسرائيل.
إسرائيل تعارض «حل الدولتين» كما تعارض حل الدولة الواحدة، وكذا حق العودة، سواء للاجئين في مناطق السلطة، أو للنازحين إلى الأردن، كما تعارض عودة الفلسطينيين المُهَجَّرين إلى ما يمكن من قراهم الأصلية. صديقي عاد من زيارة ترشيحا بحجر بناء من بيت والده المهدوم!
في سبعينية إسرائيل ونكبة الشعب الفلسطيني، نشروا إحصائية عن عدد اليهود وعدد الفلسطينيين فيها في العام 2048، حيث سيبلغ عدد اليهود أكثر من 15 مليوناً، بينما الفلسطينيون فيها أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون.
خلال سبعين سنة من النكبة، بنت إسرائيل مئات المدن والبلدات والقرى لليهود فيها، ولكن لم تبنِ مدينة ولا قرية للفلسطينيين فيها.
حق العودة ـ العودات، يبقى مطلب الفلسطينيين اللاجئين منهم، والنازحين والمُهَجَّرين. الكبار ماتوا.. والصغار لا ينسون!
شعب فلسطين حي، وقضيته حيّة، وهذه الأرض لمن يحبها أكثر في النهاية. وفي سبعينية إسرائيل، قال ديفيد غروسمان: «إسرائيل حصن ولكن ليست وطناً بعد» ولن تصير كذلك قبل أن يقام وطن للشعب الفلسطيني.
اليهودية العالمية صار في مقابلها الفلسطينية العالمية.
المصدر :جريدة الأيام